"الشكلانيّة القانونيّة" مهرب الفارغين والذين لا ماضي سياسي لهم. ولذلك يجتهدون في فرض محاور هامشيّة وإظهارها على أنّ لها الأهميّة الأولى من مثل "الشرعيّة والمشروعيّة. ويلحّون على "حرْفيّة القانون" إذا كانت تخدم موقفهم (لوائح عبير الفاشيّة) ويجتهدون في تأويل القانون بل والدعوة إلى تنقيحه بدعوى غموضه (القانون المتعلّق بتضارب المصالح).
هناك علاقة قويّة بين التمسّك بحرفيّة القانون والضحالة وغياب الماضي السياسي. وهنا أنا أتحدّث عن أفراد لا أحزاب. ففي الحزب الواحد يوجد المناضل ويوجد الخامل. وهذا ما نعيش بعض بروفاته هذه الأيّام. ومع ذلك ينتسب هؤلاء الخاملون ماضيا المتصدّرون حاضرا إلى الثورة والديمقراطيّة.
وهي في جوهرها ثورة على القانون الذي صاغه المستبدّ قياسا على مصلحته. وأحيانا لا يحترمه بسبب تحوّل في مصلحته وتوسّع في شجعه...بمنطق هؤلاء كسر الاستبداد (الثورة) مخالفة قانونيّة (وهي كذلك بمنطقنا). سيثرثرون بأنّ هناك فروقا ولكنّهم في كلّ الأحوال لا يجدون الشجاعة للتعرّف إلى ذواتهم.
هذا ما نعيشه أيضا في موضوع إقالة مدير عام الخطوط الجويّة التونسيّة وملفاّت الفساد المجمع عليها. وتأتي الضغوط من الاتحاد ورئيس الحكومة والإعلام الموجّه وسينضمّ إليهم لفيف الضحالة من الائتلاف الحكومي.
وستؤكّد أهميّة هذا الملفّ على:
1 ـ فرز حقيقيّ على قاعدة محاربة الفساد تبيّنّا من خلاله "الانتقائيين الجدد" الذين غصُّوا بريقهم في موضوع "تضارب المصالح" الأخير، وتلعثموا في الموقف. وقد كانوا عابوا على الشاهد انتقائيّته (ما فعله كان أفظع من الانتقاء). وتبيّنّا إلى جانبهم قلّة صدقوا إلى حدّ الآن في محاربة الفساد (لا أزكّي في هذه الخانة إلاّ عماد الدايمي الذي لم يطلب صلاحيات لمحاربة الفساد، ورفع المبدأ عاليا).
2 ـ أنّ هؤلاء الذين تصدّوا للفساد باسم "مزاج 2019 الانتخابي" ورفعوا لواءه أسقطوا، من حيث علموا أو لم يعلموا، وفي وقت قياسي، المبدأ نفسه وما صحب سقوطه من خسارات أخلاقيّة وسياسيّة في مسار تأسيس الديمقراطيّة…
3 ـ مصير الحكومة : وقد كنّا أميل إلى استمرار الحكومة لما يمكن أن يتبع سقوطها من مخاطر مهدِّدة في الداخل والمحيط الإقليمي. ولكن يبدو أنّ "القدر طاح" وما سيتواصل من تناحر داخل الائتلاف الحكومي يفوق ضرره المخاطر من خارج الائتلاف ومن خارج البلاد…الحكومة أيامها معدودة رغم تشبّث البعض بها واتخاذ ذلك منطلقا لتوازنات جديدة تصب غادي….
من حين لآخر ننتبه إلى أنّنا عشنا عشر سنوات بلا حكومة…