أيّام قليلة و يبوح سباق الفيل و الحمار بكلّ أسراره، تهيّأت غابة العمّ سام و اكتست بأزهى حللها استعدادا لليوم الموعود،سباق مشوّق يكتنفه الغموض لا يمكن التكهّن بنتيجته بالرّغم من استطلاعات الرّأي الّتي ترجّح كفّة الحمار ،سباق لم يستأثر فقط باهتمام المحلّيين من سكّان غابة التوحّش نظرا لعلاقتهم المباشرة بتبعات من سيفوز بل كان أيضا الشّغل الشّاغل لآخرين ينتظرون بلهفة النّتيجة لتغيير صور 0"بروفايلاتهم" و تعديل خطواتهم بحسب من يعتلي منصّة التتويج،الحمار أم الفيل! فهل سيحصل تغيير يمسّ من هم خارج غابة "الاصطفاء" خصوصا في الصحاري والأراضي البور ومن المستفيد من فوز هذا أو ذاك؟
_أمريكا أوّلا لم يأت ترامب ببدعة حين رفع شعار "أمريكا أوّلا" ، هو شعار من قبله و شعار من بعده و المبدأ الّذي تأسّست عليه الولايات المتّحدة الأمريكية، أمّة تعتقد بأنّها مصطفاة و ذات رسالة سماوية لنشر حضارة الانسان النّقيّ الأبيض، أمّة متميّزة بالرّسالة الّتي رأى الله أنّها جديرة بها ممّا يمنحها حقّ القوّة المطلق لأجل الحضارة النموذج و خلاص البشرية !
موهوم من يعتقد أنّ الفيل أو الحمار هو من يحكم غابة التوحّش، سيبقى دوما الأسد هو الملك وقد استفاد من تجارب الأسود الغابرة ليتخفّى ويحكم من وراء السّتار وهو من يحدّد من يصعد على الرّكح سواء كان ذلك الفيل أو الحمار! جوهر الصّراع يتمحور حول كيفية استمرار سيطرة غابة التوحّش على من بداخلها وعلى من هم خارج الدّيار، كيف تتوفّر الشروط الضرورية للهيمنة والتوسّع واستباحة الجميع حتّى تنمو الامبراطورية وتنتعش وتشهد الازدهار، والنّهج واحد بالرّغم من بعض التغييرات الشكلية في الأسلوب الّتي لا تمسّ المضمون كسيناريوهات هوليود المتنوّعة وذات الرّسالة الواحدة المتمحورة حول تفوّق العنصر الأمريكي وقدراته الخارقة.
ما يهمّ رأس المال عمود معبد غابة التوحّش هو مزيد من الرّبح بلا حدّ وبلا إشباع مستثمرا في مجتمع مستهلِك، أغرق في الفردانية وسجن في المصلحة الذّاتية، وما يهمّ الأفراد هي مصلحته المادّية الآنية من رفاهية عيش وخفض الضريبة وموطن الشغل وتغطية صحّية وإشباع الفتحات البيولوجية.
التّأثير الفعلي المباشر لأيّ تغيير سيحصل في قمّة ادارة حكم غابة التوحّش لن يشمل سوى الأمريكيين وفق المعادلة الأمريكية المملاة من الأنا المتضخّمة المتمركزة حول ذاتها. من ينتظر كسبا من تغيير سيحصل هو كمن يطارد سرابا بقيعة وهو يحسبه ماء أو كمن يترقّب عسلا من مؤخّرات الدّبابير.
_أمطري حيث شئت : في بلداننا الواقعة خارج مجرى نهر التاريخ ، المنتظرة لأن يملى عليه ما كتب بعد أن هجروا قراءته، يصطفّ البعض إلى جانب الفيل واضعين كلّ بيضهم في سلّته بعد أن سلّموه نواصيهم و معتبرين أنّ فوزه هو فوزهم في حين يتموقع في الجانب الآخر من يأمل في انتصار الحمار ممنّين النّفس بأنّ ذلك سيحدث تغييرا إيجابيا سيكون مفيدا لهم.
لو صدقت استطلاعات الرّأي وفاز " جو بايدن" فستلجأ الأنظمة الّتي كانت لا تخفي أنّها تحبّذ لو انتصر "ترامب" إلى طلب الشّفاعة من ربيبة أمريكا المدلّلة الّتي لا يرفض لها طلب "اسرائيل"، ستحجّ الوفود تباعا تسترضيها وتطلب لها رضا الإدارة الجديدة ولا شيء بالمجان لتضخّ الأموال في خزينة الأمّ وربيبتها بلا حساب، لن يملك بايدن أن يلوي عصا الطّاعة في يد من تقرّر حقيقة سياسته الخارجية وإلّا سيكون مصيره وهو الكاثوليكي ككيندي أوّل رئيس كاثوليكي سكن البيت الأبيض.
سيخفت صوت بايدن المطالب بإصلاحات في مجال حقوق الإنسان ليرضى ببعض الخطوات الشكلية من قبل الأنظمة القمعية الّتي لا تغني ولا تسمن من جوع، كما أنّ رغبته في إحياء الاتفاق النّووي مع إيران سيعترض بالخطوط الحمراء الّتي سيرسمها اللّوبي الصهيوني وبالعراقيل الاقتصادية الّتي ستواجهه داخليا جراء جائحة كورونا. وقد يكون المتغيّر الوحيد في السّياسة الخارجية للولايات الأمريكية هو تعامل الإدارة مع تركيا باعتبارها قوّة صاعدة وخطرا وجب مواجهته لتلتقي في ذلك مع كبار الاستراتيجيين الصّهاينة والمتصهينين العرب.
لو تمكّن "ترامب" من تكذيب التوقّعات فستكون أربع سنوات أخرى من الحلب والتطبيع والشّطحات والشّعبوية وقد تحصل بعض المفاجآت مثل صفقة يجريها مع النّظام الإيراني حين يحصل على السّعر المناسب.
سواء فاز الفيل أو الحمار فلن يستفيد من ذلك سوى الفيل والحمار وابنتهما الهجينة"اسرائيل". وصدق من قال:"أيّتها الغمامة أمطري حيث شئت فإنّ خراجك لي". لن يحدث أيّ تغيير فعلي ومحسوس لمن ينتظره دون أن يسعى إليه طبقا للقاعدة الكونية:" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " وقد يكون استمرار "ترامب" أفضل نسبيا بالنسبة للشعوب المطحونة فهو الأوضح والفاضح لما يحاول البقية أن يخفوه، قد يكون المفعّل للانفجار الكبير المتوقّع في ظلّ أزمة تزداد تعقّداو صار انفراجها في انفجارها.