الإنسان في وجوده الدنيوي وفرصة حياته هو معنيُ بعالم الشهادة والغيب أيضا. ففي عالم الشهادة سعيه وكدحه وكسبه وتحقّقه وإنجازاته وإخفاقاته وابتلائه وبلائه. وفي عالم الغيب أجله وأقداره وما خفي وحجب عنه من عالم الحقيقة والمعاني والأسرار.
ولذا من الحكمة والكياسة الإيمان بعالم الغيب وإن لم يشاهده فهي تتمة لبعده المادي الحسي وإتصالا وتواصلا مع بعده المعنوي وبدون ذلك نقيصة فادحة وخلل في تكوينه النفسي والذهني والروحي. "ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب......"
ان تناول مدرسة التصوف كمدرسة للإصلاح والصلاح ليس تيها ولا عبثا بل من زاوية سلوك طريق الحقيقة وضمن مقاربة تربوية معالجة للنفس ورعونتها والدنيا وحسّها وكثائفها والكون وحقيقته ومعناه ولما يستوجب من الإنسان الصاحي اليقظ الكيّس من أداء فروض الطاعة وجهد الطاقة (الجهاد) لأجل تزكية النفس وتربيتها والإرتقاء بها من ماديتها إلى روحانيتها من عبادة الأشباح إلى عبادة الأرواح ومن سفر الظاهر إلى سفر الباطن.
فإذا لم يحقق سالك الطريق ومريد الحق الأهداف التربوية من تزكية للنفس والأدب والتواضع فليس له ان يتبجح بالانتماء ويزيّن شين سلوكه بجميل الكلام فلن يفيده شيئا فلا طمع ولا جشع ولا رضا عن النفس وعجبها وغرورها وتكبّرها في دين الله دين القيّمة. فمن لا ورع له ومن لا أمانة له لا دين له.
على كل ساع لحضرة مولاه وعابد له ان يتحقق بحقيقة العبودية وأن يلتزم صفاته كعبد لربّه عز وجلّ. فلا عبادة مع جهل كما لا كسب من حرام.
ولذلك فعليه ان يلبّي داعي الله عز وجل بأن يستجيب للحق الإلهي (الشريعة) ويتجنب السبل والمسارات المختلفة بإتباع الصراط المستقيم (الطريقة) صراط الله العظيم. وكما أن له في رسول الله أسوة حسنة كمرجعية أساسية في العقيدة والسلوك ولذلك عليه أن يتمثّل الحقيقة المحمدية(الحقيقة) فهي عنوان بارز ساطع لنجاحه وفلاحه.