عندما انطلقت الثورات العربية كان للمغرب منها نصيب الحراك. حراك بلغ ذروته في الريف والحسيمة. أيقن الملك انه لا بد من انفتاح سياسي محسوب وايقنت المعارضة بمختلف اطيافها ان الاطاحة بالملكية وتراث المخزن مغامرة كبرى غير محمودة العواقب فقبلت بالمشاركة السياسية دون تغيير جوهري في منظومة الحكم مع العمل على اقتناص فرص الاستثمار الخارجي واعادة توطين الصناعات وتسويق فكرة البلد المستقر والمضياف.
افضى الانفتاح السياسي الى مشاركة واسعة للمعارضة في وزارات الخدمات واحتفظ الملك بوزارات السيادة ومنها الخارجية والداخلية ووقع توسيع دائرة الحكم المحلي لإدارة الحياة اليومية واقرار الجهوية الموسعة كحل للتفاوت بين الاقاليم وكحل للمشكلة البربرية ومشكل الصحراء الغربية.
قبل الاسلاميون بالمشاركة ضمن السقوف الملكية اعلاه مظهرين حالة من الواقعية والبراغماتية التي فاجأت خصومهم بمن فيهم الملك نفسه، حتى ارتفعت شعبيتهم وحازوا في الانتخابات التشريعية و المحلية الاخيرة على اغلبية محترمة في الاربعة مدن المغربية الكبرى. وكانت الازمة السياسية التي ازاحت بن كيران وجلبت سعد الدين العثماني ذي الكاريزما الأقل. تجربة الإسلاميين في المغرب هي ان تكون في الحكم ولا تحكم فعلا الا في مدار تامين الخدمات.
لا شك ان منعرج التطبيع الحالي والخروج به من التنسيق القديم الى العلاقات الرسمية مع الكيان يمثل تحديا جديدا وقد ساوم به الملك على تسوية لمشكلة الصحراء الغربية. تحد للملك في علاقته بالجزائر وفرنسا من جهة وتحد له في علاقته بالمعارضة وبنصف الحكم الذي يمثله الاسلاميون.
سيكون امام حكومة العثماني اما الاستقالة كما وقع مع حكومة الاردن بعد اتفاق وادي عربة او الاستمرار في نفس الخط السياسي والتنصل من المسؤولية السياسية للسياسة الخارجية التي يتحملها كلفتها الملك كما قبض غنائمها الهزيلة.
مرة أخرى يتأكد دور العامل الخارجي في التحكم في المسار الديمقراطي العربي توجيها او تخريبا او تطويقا. ومرة اخرى يظهر تحد أكبر للإسلام الديمقراطي في الموازنة بين المبادئ والتموقع الجيوسياسي وشراكة الحكم.