بعض الانتصارات المُعلنة هي ذرّ رماد على الأعين إن كان الباب موصدًا بالنهاية.. ابتهاج بإعلان الحكومة فتح حساب باسم صندوق "الكرامة" المخصّص لجبر الضرر المادي لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في إطار العدالة الانتقالية، ولكن السؤال: هل ستعوّض الدولة للضحايا بحقّ؟
أصدرت هيئة الحقيقة والكرامة 18 ألف مقرّر جبر ضرر (حسب الوزير السابق العياشي الهمامي) وتبلغ قيمة التعويضات المادية نحو 3 مليار دينار (حسب رئيس الهيئة العامة للمقاومين ولشهداء وجرحى الثورة العميد عبد الرزاق الكيلاني).. قيمة التعويضات تحل في المرتبة الرابعة بعد وزارات التربية والداخلية والدفاع في ميزانية 2021 وقبل ميزانية وزارة الصحة، أشير لهذه المقارنة من باب تبيّن أهمية المبلغ المالي لا أكثر.
كل ضحية لديه مقرر جبر ضرر حدد النسبة المائوية للتعويض المادي، والنقطة الواحدة تساوي 2000 دينار أي أن أقصى ما يمكن أن تتحصل عليه الضحية الواحدة هو 200 ألف دينار.
ماهي مصادر تمويل صندوق الكرامة؟ حسب قانون العدالة الانتقالية تتمثل في:
1- مساهمة الدولة : الدولة خصصت 10 مليون دينار (0.3 في المائة من قيمة التعويضات) وهو تخصيص محاسبي في قانون مالية سابق لم يُصرف بعد... نعم، مبلغ لا يعوّض إلا 100 ضحية فقط من صنف الضحايا ممن سيتم تعويضهم بنسبة 50 في المائة... كمثال يعني.
2- الأموال المتأتية من تنفيذ القرارات التحكيمية : لم يتم تنفيذ أي قرار تحكيمي من جهة الدولة إلى حد هذا اليوم، طبعا لو تجاوزنا الصعوبات التنفيذية المتعلقة بهذه القرارات، وعدم قبول الدولة بها، والشبهات اللاحقة بهذه القرارات في لجنة التحكيم بهيئة الحقيقة والكرامة.
3- الهبات والتبرعات : المقصود أساسا الهبات الأجنبية، ولا أعتقد أنه بعد 10 سنوات من الثورة، توجد جهة أجنبية "سخية" لتقدم حوالي مليار دولار لتمويل الصندوق... طبعا يبقى التعويل على التبرعات المحلية من قبيل السخرية.
حسب القرار الإطاري المتعلق بجبر الضرر، يتمتع كل الضحايا بقسط من مبلغ التعويض كتسبقة، وبالنسبة لكبار السن وذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة يتم صرف المبلغ المتبقي في شكل جراية لا تقل شهريًا عن ضعف الأجر الأدنى المضمون.. ويقع صرف التعويضات النهائية لبقية الضحايا صبرة واحدة وعند الاقتضاء على أقساط سنوية لا يتجاوز أقصاها 6 سنوات.
السؤال من الأخير و"بدون لف ودوران"، هل الدولة التونسية (وهي المُلزمة وفق قانون العدالة الانتقالية بتأمين مبالغ التعويض) قادرة على توفير 3 مليار دينار للضحايا؟ الإجابة أعتقد أنها معلومة، خاصة لو اكتفينا بالمعطى الاقتصادي فقط.. من العيب أن تكذب هذه الحكومة على الضحايا وتوعدهم بما لا تستطيع، وتجعلهم الدولة يحلمون فتعاقبهم مرة ثانية كما عاقبتهم سابقًا بانتهاكاتها..
من المهم أن ننقذ اليوم مسار جبر الضرر المادي الفردي لضحايا الاستبداد عبر الموازنة بين تكريس مبدأ التعويض والإكراهات المالية للدولة وفق مقاربة واقعية نفعية تؤمن مسار التعويض في إطار برامج التنمية الاقتصادية، وذلك كي لا نقول بعد سنوات أن مسار جبر الضرر لضحايا الاستبداد فشل في تونس، كما فشلت المحاسبة وغابت المصالحة وتاهت العدالة الانتقالية.. وضاعت بالنهاية أهداف ثورة نحتفي هذه الأيام بمرور 10 سنوات على اندلاعها.