هكذا تغنّى البرسبكتيفيّ الرّاحل جلبار النقّاش في الزّنزانة عدد 17 بجناح العزلة بسجن 9 أفريل بالعاصمة على لحن السّنفونيّة التّاسعة لبيتهوفن " نشيد للفرح " في سبعينات القرن الماضي …
... الدّيسات ... زنزانة بحجم وطن مرّ منها أجيال من العائلات الفكريّة والسياسيّة من معارضي نظام الاستبداد قبل الثّورة ... هي أكبر زنزانات جناح العزلة تقع في آخر الممرّ تحيط بها زنزانات مضيّقة يمينا ويسارا ... يوضع فيها السّجناء الخطرون أو المعاقبون أو المشاكسون …
زنزانة تروي تاريخ النّضال الوطني في مواجهة الاستعمار الغاشم وآلة القمع السياسي والأمني والتّعذيب وعزل أصحاب الرّأي المختلف عن السرديّة الرّسميّة التي أرادت منظومة الاستبداد طيلة هيمنتها على البلد فرضها بالتّرهيب وتكميم الأفواه …
هدم سجن 9 أفريل أو الحبس الجديد الذي بنته فرنسا الاستعماريّة لسجن الوطنيين المقاومين واستعملته دولة الاستقلال لنفس الغرض ... وهُدمت الدّيسات وكلّ الزّنزانات المحيطة بها ... ولم يبق منها إلّا ذكريات نزلائها ... منهم من قضى نحبه ومنهم ومن ينتظر .
لم يدفن جلبار النقّاش المناضل الوطني التّونسي اليساري في الدّيسات ولكنّه دفن في الذّكرى العاشرة لثورة الدّيسات سبعطاش ديسمبر التي بقي وفيّا لها ومناصرا لمن أطلقوا شرارتها محذّرا من سرّاقها ومحوّلي وجهتها ... داعيا لمرحلة تتوحّد فيها كلّ القوى السياسيّة التي ناضلت ضدّ الاستبداد من أجل إرساء المنظومة الدّيمقراطيّة ...
" إذا نموت وقدّر الله ادفنوني في الدّيسات " قدّر الله أن تهدم الدّيسات وأن تكون الدّيسات التي يدفن فيها جلبار أكثر عدلا وكرامة من ديسات العزلة … وأن يكون محفوفا بكلّ الطّيف السّياسي الذين مرّوا بديسات العزلة … لينتقلوا لديسات الحريّة والكرامة.