تتزامن سنة 21 مع الذكرى العاشرة لسقوط النظام السّابق ودخول التونسيين في مرحلة مهمّة من تاريخهم الحديث حيث كانت هناك فرصة قد لا تُتاح مرّة أخرى لتحقيق الازدهار وتحديث المؤسّسات وبناء نموذج مجتمعي يدحض الأطروحات البالية القاضية بقَدَرِ تخلّفِ وعدم تأهّلِ المجتمع للتنظّم حول المشترك الوطني وأخذه مصيره بيده.
ولئن كان الاعتقادُ راسخا – ولا يزال- بإمكانية تحقيق ذلك لما للبلاد من إمكانات بشرية مُحتملة ومن تجانس اجتماعي ومن سهولة فهم أهمّ القضايا التنموية ومشاكلها، إلاّ أنّ جملةً من المعوّقات المنتظرة كادت تحول دون ذلك، لعلّ أبرزها :
(1) عدم التفاف الطبقة السياسية الصاعدة حول المشترك الوطني وعدم امتلاكها لبرامج وبدائل جاهزة لقيادة البلاد، وأوّلها إرساء عقد اجتماعي حول "مفتاح جديد لتقسيم الثروة"،
(2) عدم اكتراث التونسيين بالتجارب المقارنة من حيث ادارة الانتقال ومخاطر الأيديولوجيا فيها،
(3) ترصّد أقطاب المصالح السابقين واستثمارهم في معرفتهم بالنظام ونقاط القوة والضّعف في دواليب الدّولة،
(4) استعجال التونسيين بالإنجازات التنموية التي تحتاج الى فترة كافية من الاستقرار السياسي والاجتماعي حتى يتمّ تمتين المؤسّسات الشاملة ورأسملة الإمكانات التنموية المُتاحة، و
(5) عدم انتباه القائمين على الشأن العام الى التأثيرات الخارجية، فلا هم تجنّبوها ولا ههم استثمروها لصالح الانتقال.
واعتقدتُ أنّ انتخابات 2019 كانت فرصةً أخرى لتدارك ما فات (باعتبار تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي) وللوقوف عند المغبات التي سقطت فيها النخبة السياسية من عدم تعبئة الكفاءات الوطنية وعدم المُضي قُدما نحو انجاز أهدافٍ تنموية وتشريعية والتي باتت شعبيتها وشرعيتها مُهدّدتيْن وكذلك بقاؤها في المشهد السياسي، الاّ أنّ هذه الفرصة تبدو قد هُدرت لفائدة صعود التيارات الشعبوية والفوضوية التي توصّلت الى حدّ ما الى الوصول الى القطاع الترويجي والإعلامي الرّسمي، فضلا عن انخراط جزء من النخبة المثقفة فيها…
ومع ذلك، فانّي لازلت أُومن بأنّ فُرص الإصلاحات الهيكلية مازالت مُتاحة، ليست بــ "جرّة قلم"، لأنّ ذلك من قبيل العبث والسطحية في التعامل مع الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية، وانّما بضرورة اعتلاء صوت الحكمة وأنْ :
(1) يلعب رئيس الجمهورية دورًا مُجمِّعا لكل الاطياف، لا الاقتصار على نقل الاحداث السّلبية والترويج لنزعة الخيبة لدى المواطنين لأنّ ذلك يعمّق الهُوّة بين المواطن والدّولة،
(2) يقتنع الفاعلون السياسيون بضرورة التغاضي عن المرجعيات الأيديولوجية وترك القضايا الهامشية المتعلقة بالهوية والتخوين والمؤامرات الخيالية والحكم على النوايا جانبا، لأنّ ذلك لا يخدم البلد فضلا عن أنّه لا يخدم مصالحهم السياسية والانتخابية، وما نتائج انتخابات 2014 و19 الا دليل على ذلك، و
(3) أن تنخرط الطبقة المثقفة في الشأن العام في ضوء التجارب الانتقالية الناجحة.
واعتقد كذلك أنّه لو لم تقم هذه الأطراف الثلاثة: رئيس الجمهورية، النخبة السّياسية والنخبة المثقفة بنقد ذاتي، فإنّ التاريخ سيتجاوزهم ويأتي بجيل آخر لا يركن للتلاعب بمستقبل البلاد ولا يرضى غير تحقيق الأهداف المشتركة.
فلْتكُن بداية هذه العشرية للبدء في الانجاز والالتفاف حول المُشترك الوطني، وكل عام وأنتم بخير.....