تناول مسألة "الدروس الخصوصيّة" في إطار الحديث عن الكورونا هو جهل وتفاهة ونفاق، الغرض منه التّهرّب من حقيقة أنّ الدولة عاجزة عن اتخاذ قرارات شجاعة وحازمة وسيادية في مواجهة الوباء... بل أكثر من ذلك، وهو إخفاء الدور الاجرامي للعديد من القرارات المتخَّذة منذ شهر جوان 2020، والمتسبّبة في تحويل بلادنا من نموذج في كسر دائرة العدوى، إلى نموذج في سرعة انتشارها، ونسبة الوافيات النّاتجة عنها…
الكورونا والتعليم من المسائل التي لو كُشف اللّثام عن خفاياها لثبت للجميع مدى تذيّل القطاع العمومي، بمباركة الدولة، للقطاع الخاص، وللسفارات الأجنبيّة... فعدم وضوح وانسجام القرارات المتّخَذة، لم يكن مردّه "الخوف على مصير فلذات الأكباد ومستقبلهم" بقدر ما هو عجز عن تعميم هذه القرارات على القطاع الخاص وعلى المؤسّسات الأجنبيّة خاصّة…
بالنسبة للدروس الخصوصيّة... لو كان بيدي الأمر لجرّمتها بنفس مقدار تجريم "بيع الخمر خلسة" أو ممارسة البغاء أو التهريب أو التهرّب الضريبي أو أيّ شكل من أشكال الاضرار بالمصلحة العليا للوطن... فهي تشكّل، من النّاحية البيداغوجيّة، عائقا أساسيّا في عملية التعليم والتلقّي لدى تلميذ يرزح تحت وطأة كثرة الموادّ، وكثرة الواجبات المنزليّة، (والحال أنّ الأصل في عمليّة التعليم والتلقي أنّها تتمّ في أكثر من 80 %منها داخل الفصل لا خارجه)؛ كلّ هذا على حساب الوقت المخصّص للرّاحة ولممارسة هوايات أساسيّة في تنمية شخصيّة النّشأ، وصقل مواهبه ومهاراته، كالمطالعة والفنون والرياضة.
ثمّ إنّ الدروس الخصوصيّة تنسف مبدأ مجانيّة التّعليم من أساسها، وتؤدّي حتما إلى فوارق لا أدلّ عليها غير النتائج السنويّة للباكالوريا مثلا وما تفرزه من تمايز بين المناطق والفئات الاجتماعيّة، وكذلك الإحصائيات الكارثيّة حول الانقطاع المبكّر عن التعليم لدى الفئات الهشّة اجتماعيّا.
بالإضافة إلى الطرق الغريبة والمنافية لكلّ مبادئ البيداغوجيا، حيث تُسلّط على التلاميذ منذ السنوات الابتدائية الأولى، دورات اختبارات غريبة شكلا ومضمونا، ك"الأسبوع المغلق" مثلا، ممّا يزيد في تشنّج إضافي لدى التلاميذ ولدى أوليائهم، فيجدون ألف مبرّر ومبرّر للدروس الخصوصيّة في ظلّ هذه "القسوة البيداغوجيّة" acharnement pédagogique وهذا الجري وراء أعداد باتت هي الغاية.
لذلك استعملت بكلّ قناعة ووعي عبارة "تجريم الدرّوس الخصوصيّة". ولكن هذا التجريم لن يتمّ قبل إصلاح شامل للمنظومة التربويّة: محتويات البرامج المدرّسة، الزمن المدرسي، الكتاب المدرسي، طرق الامتحان، ممارسة الهوايات، تكوين المدرّسين، مسألة التوجيه، التعليم المهني، التعليم التقني، المكتبات المدرسيّة... وطبعا، تمكين المعلّم والأستاذ من المكانة الماديّة والمعنويّة التي تليق بالدور الاستراتيجي الذي يقوم به في مسيرة التنمية الشاملة للبلاد... أي كلّ ما لا يُطرح اليوم من قبل الساسة والنقابات…