ثمة أشياء لا أستطيع أن أمسك فيها نفسي لأني أفهمها ثم إني عايشتها من أصلها مثل رقمنة المرفق القضائي الذي أستطيع أن أؤلف فيه كتابا، مثل اجتماع اليوم بين وزيري العدل وتكنولوجيات الاتصال حول رقمنة القضاء بعنوان "رقمنة الوثائق والأرشيف والبنية التحتية"،
لاحظوا أن الاجتماع لا يهم النشاط اليومي أي الحاجة إلى الأحكام اليومية ولا إجراءات التنفيذ والاعتراض في المرفق القضائي الذي ما يزال في العصر الحجري للإعلامية والكواغط كما يرد اسمها في النصوص القانونية القديمة عندما أمر الوزير عبد الرحيم الزواري برقمنته عام 1992،
في ذلك الزمن البعيد، كنت أمارس الصحافة بالتوازي مع تعلم لغات البرمجة تحت نظام MS-DOS شاشة سوداء وكتابة أوامر على لوح المفاتيح مع قارئي ديسك 5 بوصة ونصف:A , B والانتقال الموجع من شبكات IBM الثقيلة المكلفة إلى Windows New Technologies (Windows NT) للشبكات،
وحضرت فيما بعد على تثبيته وبدايات استغلاله في محكمة تونس في 1994 حتى ظهور النسخة الرابعة منه التي فتحت أبواب تكوين الشبكات للعموم، إنه من المثير للسخرية بعد 28 عاما أن نتحدث عن رقمنة الوثائق والأرشيف في القضاء، إذن ماذا كان يحدث منذ 1994؟ وأين ذهبت كل تلك الأموال الطائلة التي أنفقت على رقمنة القضاء؟ ولماذا يحتاج الإنسان إلى الوقوف في صف طويل لنيل حكم قضائي بعد سنوات طويلة من التقاضي، ولماذا تضيع الملفات والحجج؟ ولماذا لا يعرف المتقاضي مواعيده إلا بالوقوف في صف طويل في ذلك القسم الجهنمي للإعلامية في المحاكم؟ ولماذا يحتاج إلى 8 أشهر لتحصيل نسخة تنفيذية من حكم طالما يمكن تحويل حكم القاضي إلى نص فوري مكتوب بتقنية reconnaissance vocale؟
حين "يسمح لي" ابني، وهو مبرمج للتطبيقات المحمولة ويسمعني من باب الطرافة أروي له طرق العمل تحت نظام MS-DOS يموت ضحكا، وفي مقدوره هو أو أي أحد من زملائه في الجامعة التونسية أن يصمموا في أوقات فراغهم نظاما كاملا للمحاكم التونسية، بمقابل رمزي أو مجانا من باب الفراغ، مع ضمان تجارب القراصنة المحليين والدوليين، بعض أولادنا يصممون أجزاء من أشهر البرمجيات في العالم، وبعض وزرائنا يعقدون جلسات لأجل رقمنة القضاء والأرشيف في 2021: شيئان بعيدان عن بعضهما جدا، جدا.