دور الفن في فساد المجتمع : ماذا فعل أحمد عدوية في المجتمع المصري؟! وكيف كان تأثير المزود والراب في المجتمع التونسي؟

كتبت مقالا مطولا في جريدة الصباح قبل ربع قرن أكدت فيه أن ما تشكو منه مصر من إنهيارات على كل المستويات بدأ بالفن مع من غني التح السح انبو واقبل الناس عليه وأصبح نجما وبدأ السقوط الفني لكن ايض بدأ سقوط القيم الاجتماعية التي تركت مكانها لثقافة الفساد وتبييض الفساد وهذا ما يحدث في تونس فالفساد الكبير بدأ مع جماعة المزود ثم جماعات الراب…

لقد سبق الفن الغنائي التونسي الفاسد الخالي من القيم الا ما ندر.. وفي لغة منحطة احيانا الا ما ندر.. وفيه دعوات متنوعة الي للعنف.. الا ما ندر.. سبق الانحطاط الذي بلغته العائلات الحاكمة التي تركها بن علي تعبث بالوطن وتصبح أغني من الشعب كله وقد كان لهم تأثير كبير على المجتمع إذ لا يمكنهم أن يفسقوا بالمجتمع والادارة والمؤسسات الحساسة بأنفسهم فلا بد لهم من رجال يخدمونهم وحشم.

يقومون بدور التمهيد للفساد وبالتالي بدأ الفساد يعم بالمال والاقتصاد الموازي. والسماح لهم بالرشوة والابتزاز.

وللأسف لم يتمكن المسرح ولا السينما لتعويض الفن الغنائي المنهار اخلاقيا لتهذيب الأذواق.. وتحسين الأوضاع التي اهلكها الفساد الذي راج بشكل غريب وبدأ يترسخ في الأرض.. ليمس الكثير من الناس... وذلك لان المسرح والسينما أصبحا من المجالات البعيدة عن الشعب وعن الشباب خاصة منه الذي لم يدرس او انقطع عن التعليم.. وهم بعدد كبير كان من المفروض العناية بهم لكن الدولة تركتهم ضحايا الهبوط الفني لتهتم بمصالح كبار الفاسدين وتفتح لهم اسباب المزيد من النهب والسيطرة على شرايين البلاد باقتصاد مواز أصبح الأهم في البلاد.

وللعلم ان صاحب اغنية التح السح انبو الفنان أحمد عدوية أصبح في بداية حياته غنيا جدا وتمكن من ان يشتري في ظرف سنتين عمارة مهيلة على ضفاف النيل في قلب القاهرة وهو الأمر الذي لم يتمكن محمد عبد الوهاب أن يتمتع به الا بعد أربعين سنة من العمل الغنائي الذي حرك أوتار كل الشعوب العربية بل كان له حضور في الغرب.. وما محمد عبد الوهاب الا مثلا.. و. يمكن أن نضرب الأمثال بغيره.

والجدير بالذكر أن أحمد عدوية فتح المجالات لكل أنواع الفن الهابط الزاخر بالكلمات المنحطة من مثل *بحبك يا الحمار.*و ايضا ما يغنيه شعبان الذي هيمن على الأمخاخ وأفسد الأذواق... وهو تافه ولا روح فيه.. ولا لغة ولا أخلاق.. حتى أن صوته يشبه أصوات السكارى والمزطولين...

وطبعا نفس الشيء حدث في تونس فالبعض من أفراد جماعة المزود كونوا ثروات بأغنيات قد تكون من الحضيض.. في حين أن اهم المطربين التونسيين ما تمكنوا من ان يجمعوا ثروات الا اذا ما ارتبطوا بمصر او أقاموا في لبنان… وهذا دليل على أن الشباب وجانبا من الكهول لم يعد الفن الأصيل يهمهم إنما فن السجون بلهجات *الباربوات *هو الذي اكتسح الساحة وكل المجالات الإعلامية التي ارتمت في هذا النوع لتحقيق الأرباح وجلب الجمهور إليها....

وما بجب التأكيد عليه أن الثورة التي افسدها رجال قصر قرطاج ساعة واحدة بعد هروب بن علي.. وجماعة الترويكا.. و الباجي.. والي هذه اللحظة لا أحد من الحاكمين لديه مشروع ثقافي.. ولا رؤية ثقافية.. أضف إليهم كل الأحزاب ليس في برامجها مشاريع ثقافية. من هنا كانت الاختراقات لهذا الفن فأصبح منتصرا..

ولا أحد يقلقه ولا أحد يقاومه لا بإيقافه طبعا فأنا ضد المنع ومع الحريات الي ان تصبح الحريات قادرة على الدفاع عن نفسها... إنما مقومة هذا الفن بمواجهته ثقافيا.. وفكريا وفق مشروع واضح المعالم يحد بوضوح كيف نريد أن يكون التونسي غدا.. انطلاقا من اليوم.

لا تسألوا كثيرا عن أسباب الفساد المستشري في تونس. يكفي أن تعرفوا أن الفن اذا مسه الفساد ضرب المجتمع في العمق. وقد يمس التربية والثقافة ويفسد جل أهل التربية وأهل الثقافة وأهل الفن وكل ذلك ينفتح على المجتمع كله خاصة وان العصر أصبح عصر التجارة والمال ..والرغبة الشديدة في تحسين نوع الحياة وهو ما يتطلب المال.. والمال سهل جمعه مع الفنون الهابطة السهلة ..وهذه الرغبات الجديدة للمجتمع وفي غياب مشروع ثقافي واضح سهلت على رجال الأعمال الفاسدين خاصة جلب الكثير من الأنصار وافسادهم ليشكلوا الحزام الذي يبحثون عنه للاطمئنان على تواجدهم..

وكان من المنتظر أن تتغير الأمور هذه كلها إثر الثورة.. لكن لا شيء من ذلك حدث والعكس هو الذي تحقق فقد أصبح فن المزود وفن الراب هما المسيطران بدعم من الإعلام وخاصة بمساندة قوية من المنوعات التي يخطط لها جماعات لا يهمها الا الربح الوفير دون أي قيمة أخلاقية...ولو ركزتم على أسماء الناشطين في حقل الراب والمزود فستجدونها غريبة فإما هي تذكرنا بالأسماء المنتشرة في الأحياء المهمة او من داخل السجون ومن بعض الأسواق الخلفية للكناطرية الصغار الذين يكبرون ماليا بسرعة فيصبحون الفاعلين في المجتمع فيمولون الفن المنحط الرائج لدي الشباب الذي يعيش بلا مشاريع ثقافية حقيقية ام أن هذه الأسماء تكون اجنبية غريبة…

وطبعا تعامل معهم الإعلام خارج المبادئ لأنه لم يعد يقوم بدور مهم في التوجيه الاجتماعي أو التوعية بل إن سياسة الافساد هي التي تحركهم راجل الدينار والدولار.. ونحن نلاحظ أن الذين أسسوا محطات تلفزية خاصة من باعة الأسلحة او من أصدقاء بلحسن الطرابلسي وعصابة ليلى زوجة بن علي.. أو من المبتزين والمرتشين. وهناك من بجمع كل هذه العناصر فماذا تريدون من هذا الرهط أن ينتج فنا راقيا او ينشر ثقافة إيجابية مغيرة للمجتمع والسلوك الفردي.

هنا المشكل فهل يهتم الباحثون بهذا الموضوع ويفصلون فيه المسائل ويبحثون فيه. لعلهم يساهمون في إيجاد الحلول للخروج من أزمة الفساد الذي تشبثت بالمجتمع التونسي…علي جميع المستويات.. والأهم هي القيادات السياسية التي نرى انها ضاربة في الفساد. بل خبيرة فيها ولا مانع لديها للتعامل مع الفساد وإعلاء شانه…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات