ليس لي فكرة تفصيلية عمّا حدث اليوم في شارع الحبيب بورقيبة. قرأتُ في الصباح دعوة جملة من الأحزاب إلى التظاهر في شارع الثورة .
التظاهر والاحتجاج والدعوة إلى إسقاط الحكومات في الشارع (حتّى وإن لم تتوفّر القدرة للمحتج)تمثّل روح الديمقراطيّة، ومكوّن أساسي في بنائها السياسي.
تواتر حديث في صفحات الفايسبوك ومنها صفحات بعض الأصدقاء تراوح بين الحديث عن تأطير للتظاهرة يصل إلى حدّ المضايقة ، والحديث عن قمع وإيقافات في صفوف لبعض المتظاهرين. وإن تأكّد هذا فهو مرفوض.
فالتظاهر والتعبير السلمي حقّ معمّد بدماء الشهداء لا يمكن المساس به. ولا أعتقد أن المؤسسة الأمنيّة التي تحث الخطى نحو الصفة الجمهوريّة تفكّر في القمع والمنع.
وفي الأيام الأخيرة أثبتت توازنا حقيقيا في التعامل مع الاحتجاجات الليلية وعمليات التخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصّة، رغم دعوات بعض المجاميع الإيديولوجية وبعض النقابات الأمنية التي هي أقرب إلى أمن مواز المؤسسة الأمنية للتخلّي عن دورها وعدم تحمّل سياسات المسؤولين في السلطة التنفيذية (الحكومة).
من ناحية أخرى، يظهر الفارق واضحا بين تحركات الأحزاب وحراك الأحداث في الأحياء الشعبية ليلا. وهو الفارق بين"حراك سياسي" و"حراك معولم" دون تجريد المعولم من دلالاته السياسية، هذا إن لم يكن أقرب إلى السياسة الفعلية.
ومع أهمية الإشارة إلى صعوبة الربط بينهما (فضلا عن محاولة ركوب احتجاجات الأحداث والشبيبة: أنت في مجال سياسي رسمي وتحب تركب على حراك في مجال سياسي موازي ؟ أشبيك يا صاحبي؟) فكأنهما خطّان متوازيان رغم علاقتهما بالسياسات الرسمية نفسها. هو في حقيقته التوازي بين مجالين سياسيين :مجال رسمي يعرف ديمقراطيّة تمثيلية متعثّرة، ومحال سياسي هامشي تعثّر في بناء "ديمقراطيّة تشاركية" وبقيت محاولاته الأولى الإيجابية استثناءً (تجربة جمنة)، وعرفت محاولاته الأخيرة في مقاربة وطنية للثروة (تجربة الكامور).
الاحتجاجات مشروعة نهارا وليلا شرط أن تكون سلمية ولا تستهدف أمن الناس وممتلكاتهم والممتلكات العامة.
والمطلوب فهمها ومعالجة أسبابها وليس تبرير ما يرافقها من تخريب وحرق ونهب مثلما كان عليه موقف بعض الجهات الحزبيّة التي همّشتها الانتخابات واعتبرت الديمقراطيّة تنديدا وجوديا، فلم يبق لها إلا الدعوة إلى إسقاط النظام وهي لا تعني غير إسقاط المنظومة الديمقراطيّة باعتباره شرطا يطمس ذكرها وينهي خبرها، ولا يمنع هذا من الإشارة إلى أهميّة المبادرة بإطلاق سراح الأحداث.
استهداف حقّ التظاهر السلمي مرفوض بقوّة تحت أي ذريعة، وعلى الحكومة والمعارضة أن تجد أرضيّة مشتركة لتأطير هذا الحق مع مراعاة شروط البروتوكول الصحي وفي مقدمته متطلبات الحجر الصحي.
"تعديل الحكم" والمقصود إسقاط الحكومة يبدو اختيارا غير موفّق في ربطه بمواجهة وضع صحي يشارف على الكارثة، وهدفا بعيد المنال من خلال ما راج من صور عن تحرّك الأحزاب والمنظمات العديدة التي نزلت إلى شارع الثورة.