ما يعاب على الثورات عموما هي شدّتها، لا سيّما في مراحلها الأولى، لا مع أعدائها فحسب، بل أيضا مع من اشتبهت في احتمال تحوّلهم إلى أعداء... وبما أنّ الثورات تنطلق لملإ الفراغات الحاصلة بفعل الثورة وما أحدثته من انهيار تامّ أو جزئي للمنظومة السابقة من نقطة الصفر فهي تلجأ إلى ثنائيّة التطهير والحشد... التطهير يحدث الفراغات والحشد يوفّر الحماية... وبلا حماية ينتج عن الفراغات المزيد من الفوضى المعيقة لتقدّم الثورة... فوضى "تلقائيّة" (السرقة، التخريب، الجريمة، الاحتكار، التجاوزات الخ) وفوضى مفتعلة، تصنعها الثورة المضادة (إرهاب، اغتيالات، تعطيل لمصالح الناس بالإضرابات والاعتصامات، افتعال قضايا جانبية بالاستفزاز والاشاعة الخ)... الفوضى التلقائية والفوضى المفتعلة يشكّلان واحدا من أعظم معيقات الثورة إذْ تجتمع فيهما أعداء الثورة من الداخل ومن الخارج... ولذلك تلجأ الثورات إلى كسر سيرورة الفوضى بيد من حديد، "تقذف الرّعب في قلوب" من يجرؤون على اقترافها…
وحشد ما يعبَّر عنه ب"الكتلة التاريخية" أو شعب الثورة يعتمد أساسا على بثّ الوعي بهذا الواقع الجديد… وبثّ الوعي هذا يستند إلى رمزيّات وإلى ثقافة وإلى بضعة قرارات جريئة وعاجلة (مراسيم الخ) تحدث نقلة نوعيّة لدى شعب الثورة (المصادرة، التأميم، إعادة التوزيع، الغلق، المحاكمات الخ) …
طبعا هذا ما لم يحدث في تونس… بل حدث عكسه تماما ممّا جعل من ال 10 سنوات التي تلت سقوط هرم السلطة محاولة لإخماد شعلة الثورة، ولتطويقها وخنقها ووأدها في المهد… لنصل في نهاية الأمر إلى الانقلاب على ما أفرزته من واقع جديد ومشوّه…
من حيث المنهج، تقوم الانقلابات بنفس ما تقوم به الثورات ولكن باتجاه معاكس… أي بمنهج الرّدّة… واعتمادا على الكتلة الأخرى… أي شعب الثورة المضادّة… وهذا ما يقوم به اليوم قيس سعيّد…