خبر في غاية الغرابة ولا يكاد يُصدّق...في سرعة إصدار الحكم وقسوته واستجابته التامة لمُطلق رغبة رئيس الجمهورية المنقولة مباشرة وإعلاميا لوزيرة العدل في تتبع المرزوقي عدليا من أجل آرائه الحرة ومواقفه المعارضة…
صحة الخبر وحيثيات صدور الحكم لا تزال بحاجة لتأكيد وتفصيل عسانا نكتشف خطأ ما نُكذّب به هذه المهزلة...وإلا نكون قد دخلنا ببركة الانقلاب بأسرع من البرق في عهد "قضاء الرئيس" أو "القضاء السعيد"!!
هذا القضاء نحن أبرياء منه…
لكن...هل يملك الرئيس فهما صحيحا لأوضاع القضاء؟
كل المؤشرات الملتقطة بشأن تعاطي رئيس الجمهورية مع السلطة القضائية والمجلس الأعلى للقضاء تؤكد أن سنتين كاملتين من الحكم ومن ترديد شعارات العدالة والمساواة و"التطهير" لم تكن كافية ليكتشف فضائل وقيم القضاء الديمقراطي والمؤسساتي، وليفهم تعقيدات الوضع القضائي و"خرائط" الفساد الإداري والسياسي والمالي صلبه، وظلّ أسير مُحيطه السياسي والقضائي - الرسمي والفعلي - السطحي وعديم الكفاءة والملتبس هو نفسه بالفساد والمُعادي للثورة والديمقراطية وللقضاء المستقل ولإصلاح المؤسسات…
وهذه المعطيات وحدها مؤشرات خطيرة كافية لتجعل من الرئيس نفسه العصا الغليظة والمثالية للأجهزة القمعية والاستبدادية المحيطة به والمهيمنة عليه التي تعمل على توظيف خصوماته واستعداء منتقديه...لتنتقم بواسطته لهزامئها من الثورة والحرية والديمقراطية وتستهدف التيار الاصلاحي والاستقلالي المُتصدي حقيقة وطوال السنوات وفي مختلف المحطات لبارونات الفساد والمشتغل على المحاسبة ومكافحة الفساد في القضاء…
يكفي التمعّن في "تعيينات" الرئيس القضائية على رأس وزارة العدل وهيئة مكافحة الفساد مثلا وأسماء "المُقرّبين منه و"الناطقين" باسمه من القضاة (بعلمه وإذنه أو بدونهما - الله أعلم ) والمنتظرين بشغف "أوامره" وأحكامه منهم، وخطابه الناسف لمفهوم المؤسسة، وفحوى الأمر الرئاسي 117 المُلغي لدولة القانون ومؤسسات الرقابة على الحاكم، والمستوى الإجرامي لصفحات التشويه المنسوبة إليه والتي يشرف عليها قضاة ومحامون وأمنيون غارقون في الجريمة والفساد، وانشغاله بالقضايا التفصيلية وانقلاب سُلّم الأولويات لديه…
لنعلم حجم الانحراف الذي يشهده تعامل رئيس الجمهورية مع المؤسسة القضائية منذ توليه وخاصة بعد الانقلاب...رئيس جمهورية تُناقض قراراتُه ونصوصُه وأفعالُه تماما كل المُثُل والقيم الواردة في خطاباته "المثالية" وأحلامه "الوردية"…
نتم، لقد أصبحنا بموجب قرارات الرئيس خارج الدستور وخارج دولة القانون...لكن لِنتأكد على الأقل أن الرئيس يفعل حقا ما يريد...لا ما يُريدون!