استباق زمن سياسي متسارع : حوار هادئ مع حوار الاخ نورالدين الطبوبي ..
لم أكن اتوقع مسارعة السيد نورالدين الطبوبي بإعلان الموقف الرسمي للمنظمة من جبهة الخلاص و تدعيم هذا الاعلان بمقابلة الحزب الفاشي ..لكنني لم أكن استبعد هذا الموقف لاعتبارات عديدة :
أولا :
رغبة المنظمة في احتكار اللحظات الاخيرة من ازمة الانقلاب ومؤشرات اغلاق القوس و فرض هذا الاغلاق تحت سقف " 25 جويلية" المزعوم باعتباره " انتفاضة شعب " ضد المسار السابق بما يمكن السيستام( بمعناه العميق و الشامل) من فرض شروط الحل وفق ميزان القوة الذي يريده اعادة ترتيب لموازين القوة مع منظومة الثورة و الانتقال الديمقراطي الحقيقي .
كلما امسكت المنظمة في ظل طبيعة الاطراف السياسية / النقابية المتحكمة فيها الان بقيادة طاولة الحوار و ملامح الحل كان ذلك بالضرورة تحجيما للقوى المقاومة للانقلاب منذ تسعة اشهر ميدانيا على قاعدة الانحياز للثورة و الانتقال الديمقراطي . المسارعة بإعلان الموقف من جبهة الخلاص هو محاولة تدارك لما فرضه اعلانها من اعلان القوة الديمقراطية المقاومة للانقلاب نفسها طرفا رئيسيا في كل حل على قاعدة دستور الثورة و الشرعية و احترام المؤسسات .
ثانيا :
المسارعة بإصدار الموقف من جبهة الخلاص و من نجيب الشابي بالاساس و من المكونات الحزبية لهذه الجبهة هو موقف فرضته داخل الاتحاد تيارات نقابية سياسية ذات تاريخ وظيفي في علاقة بالاستبداد و مقاومته اثناء حركة 18 اكتوبر وذات نزوع ايديولوجي قائم على الاستئصال و هي تيارات وازنة في الاتحاد و ضاغطة على الامين العام و تستطيع دفعه الى ذلك عبر التذرع بوجود ائتلاف الكرامة و حتى تونس الارادة وما عرف عن قيادات هذين الطرفين من اعلان واضح لنقدهما لتمشيات الاتحاد في علاقة بالمسار الديمقراطي منذ انتخابات اكتوبر 2011 .
اعتبر بطبيعة الحال ان موقف الاخ نورالدين الطبوبي كان متسرعا و استباقيا بشكل مبالغ فيه لأسباب عديدة:
اولا:
جبهة الخلاص بطبيعة الحال ترفض ان تقوم على قاعدة الاقصاء و نحن نراها امتدادا و ثمرة لمسار كفاحي ميداني كان له فضل محاصرة الانقلاب و زعزعته و في هذا المسار شاركت كل القوى التي اختارت ان تشارك في معركة الشرف الديمقراطي و سيكون من الطبيعي ان تكون جميعا في جبهة واحدة تتويجا للمسار الكفاحي الميداني بإعداد الشرط السياسي .
لكن ما كان يجب ان ينتظره الاخ نورالدين الطبوبي قبل اصدار موقفه هذا هو ان ينتظر طبيعة الخطاب السياسي لهذه الجبهة و الخطاب الذي ستعلنه تجاه الاتحاد الا اذا كان تعجل الاخ الامين العام نابعا فعلا من المبررات اعلاه .
ان يكون في الجبهة مختلفون مع الاتحاد او حتى معادون له او لعدد من القيادات المحمولة فيه على احزاب و تنظيمات و تيارات ايديولوجية لا يعني ان الجبهة ستتبنى هذا الخطاب و هنا نفهم ان الامر في العمق لا يتعلق بتعجل مضغوط فقط، بل بتعجل موقف سياسي مفكر فيه .
ثانيا :
تجربة السنوات العشرة التي يريد البعض نسبة سلبياتها الى اطراف دون اخرى او تحويلها الى سواد مطلق و بناء الامين العام موقفه من الجبهة على اساس هذه السردية و التذرع بوجود هذه الاطراف المسؤولة عن فشل هذه السنوات هو موقف يحتاج الى تنسيب .
هناك اطراف في الجبهة و نحن منهم نملك تقييما اخر و سردية اخرى لمسار انتقالنا الديمقراطي المتعثر نوزع فيه الحصيلة بين السلبية و الايجابية اولا و ثانيا نعتبر فيها الجميع مسؤولين بأقدار عديدة و اذا كان لابد من توزيع المسؤوليات فلن تكون المنظمة الشغيلة بمعزل عن تحمل جزء من مسؤولية الفشل و بعض النجاح في عشرية البناء المتعثر للديمقراطية بطبيعة من قاد المنظمة و طبيعة العقل السياسي الذي حكمها في هذه العشرية و التي غادرت فيه المنظمة خطها العاشوري لتنحرف في بعض مساراتها الى خطابات الوظيفيين .
ثالثا :
ليست لنا مشكلة كبيرة في اختيار الاتحاد ان يكون في صف معارضة اخرى للانقلاب و معادية لجبهة الخلاص في نفس الوقت و ان كنا طبعا لا نحب ان يتصرف الاخ نورالدين كحانوتي او ضابط حالة مدنية يمنح حجج الموت او الحياة للقوى و الجبهات .
و عندها سنعتبر انفسنا معارضة عضوية ديمقراطية و نصنف المعارضة المقابلة معارضة وظيفية تضم بشكل طبيعي الفاشية و الوظيفيين و الشعبوية الاستئصالية فنحن نعتبرهم حلفاء لبعضهم بعضا منذ تمهيدهم للانقلاب بترذيل الديمقراطية و التآمر على الثورة ...لكننا نحتفظ وقتها بحقنا في القول ان الاتحاد هو منظمة لجميع التونسيين بمختلف تياراتهم و ليس من حقه ان يتموقع مع جهة سياسية في مقابل اخرى الا على قاعدة الانتصار للديمقراطية و المصلحة الوطنية للشغيلة و من المؤكد ان مصلحة العمال التونسيين لن تكون مع الفاشية و الشعبوية و لا مع الوظيفيين ايضا حتى لو انهم يفوزون منذ سنوات بمواقع متقدمة في سلطة القرار و القيادة النقابية .