ستعلّمنا الحرب..

Photo

ستعلّمنا الحرب أن نكبر قليلا.. ففي الحرب يكبر الصّغار.. وفي الحرب يكبر الكبار وتشيب الرّؤوس وتينع الحكمة التي نتيه عنها.. وفي الحرب تزهر شقائق النّعمان من دماء الشّهداء وتزغرد النّساء دامعات حاملات جرحهنّ الغائر حجرا..

ستعلّمنا الحرب ضدّ الإرهاب كثيرا..

ستعلّم هؤلاء الذّين ينقضّون كلّ مرّة كطيور جارحة لنهش الجثث بعد انتهاء المعارك.. هؤلاء " المحلّلون " و"المثقّفون " و " الصّحفيون " على اختلاف مللهم ونحلهم الذّين خلّفهم نظام الاستبداد ولم يستطيعوا رغم الرجّات المتتالية لشعب رائع مفتوح دائما على اللّامتوقّع أن يفكّروا خارج الأنساق والطّرق المعبّدة المرسومة والسّرديّات النمطيّة المملّة المحفوظة عن ظهر قلب وبعيدا عن مصالحهم فظلّوا يمنعون ما استطاعوا كلّ اكتمال للبناء الجميل الذّي يضع لبناته شعب يختزن داخله أجمل قيم النّخوة والشّجاعة والعطاء..

ستعلّمهم الحرب أن ينضجوا قليلا .. فالمراهقة السّياسيّة والفكريّة التي طالت أكثر ممّا ينبغي جعلت النّرجسيّة تطغى على الاعتراف بالآخر وقبوله طرفا في الوجود المشترك وجعلت الغوغاء تنتصر على الحكمة.. والمراهقة السياسيّة جعلت خطابات المغالطة والتّزييف دليلا على عجز عن إثبات الذّات والامتداد عميقا في المجتمع حيث القوّة الكامنة تنتظر نخبتها التي لا تأتي..

ستعلّمهم الحرب أن يصمتوا قليلا.. ليصغوا إلى هدير الجموع حين تهتف: لا إله إلّا اللّه والشّهيد حبيب اللّه.. وهي تحمل الشّهداء على أكتافها، وليدركوا أنّ الدّين يمكن أن يكون حافزا للثّورات وللانتصارات على قوى الموت والظّلام حين يتحوّل إلى قوّة روحانيّة عالية وطاقة للمقاومة وسبيلا للتحرّر من عبوديّة العصر الجديد.. تماما كما يمكن أن توظّفه فرق الموت التي صنعتها المخابرات ودعّمتها الدّول وقوى المال والسّلاح حيلة وقناعا لنشر الفوضى ولتخريب أجمل الثّورات.. وليدركوا أيضا أنّ الحلّ ليس في معاداة الدّين، وهي معاداة تتنزّل في سياق أصوليّة حداثيّة لم تنتج سوى نقيضها أي الأصوليّة الدّينيّة، بل الحلّ في تثوير الفهم للدّين واعتباره رؤية للعالم تساهم في أنسنة عالم متوحّش بما يختزنه من قيم ومثل ونقاط مضيئة وسط العتمة التي سادت تاريخيّا وتسود وبما يمنحه من قيم وروحانيّات حقيقية تساهم في تحمل أعباء وجود يئنّ تحتها الإنسان..

ستعلّمهم الحرب أن يراجعوا قليلا ما حفظوه من كرّاسات إيديولوجيّة اهترأت وأن يتحرّروا قليلا من عبء التّاريخ المملوء بالعداوات التي تمنعهم من النّظر إلى أنفسهم في المرآة ومراجعة مواقفهم…

ستعلّمهم الحرب أنّ الجنوب الذّي عادوه بسبب خياراته زمن الانتخابات فجعله البعض " خارج السّياق الوطني " و " خارج الحداثة " و " خشخاش إرهاب " هو جنوب داخل السّياق الوطني وداخل التّاريخ وهو خال من حساباتهم السّياسيّة ومن ضيق أفقهم وأنّه أرفع من تقسيماتهم وتصنيفاتهم وأنّ الخارج عن السّياق الوطني وسياق التّاريخ إنّما هو خطاب التّقسيم والتّصنيف والتّجزئة..

ستعلّمنا الحرب جميعا الدّرس الأكبر: أنّ الشّعب أكبر من نخبه بسرديّاتها المتهاوية المتناحرة العاجزة دوما عن التقاط اللّحظة التّاريخيّة المضيئة التي يصنعها الشّعب والدّفع بها نحو الأقصى.. ستعلّمهم أنّ قوى الموت لا تهاب هذه النّخبة رغم كلّ ثرثرتها وغوغائها ولكنّها تخاف جنديّا بسيطا يحمل في قلبه اللّه وأمّه والوطن وصورة حبيبته الصّغيرة..

هي الحرب.. فيها تكتشف الشّعوب ذاتها وتصوغ ملاحمها وانتصاراتها وتعيش بكبرياء هزائمها وانكساراتها..

وفيها تكتشف النّخب ذاتها.. وتدرك كبرها ( بكسر الكاف ) وعجزها عن المراجعة والنّقد الذّاتي وفشلها في مواكبة حركة التّاريخ فتموت تدريجيّا ما لم تحاول التّواضع والاعتراف بالخطأ وتطوير الذّات لمواجهة عالم مجنون قادر ب " دواعشه " على اختلافها التي صنعها وسمح لها بالبقاء والتمدّد حتّى بلغت حدودنا بتدمير الدّولة وأحلامنا الكبرى فوق رؤوسنا..

هي الحرب.. من الدّم المراق تولد الشّعوب العظيمة حين تجد مفكّريها وقادتها العظماء..

أيّتها الحرب.. علّمينا ما لم نعلم.. علّمينا كيف نكون وكيف نحيا..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات