قالت العرب: الحق هو الثابت المستمر، وهناك معان كثيرة لكلمة الحق حسب المرء أن يرجع إلى معاجم العربية ليقف عندها.
ما يهمنا من كل هذه المعاني معنى الحق المرتبط بالمصلحة، فهناك الحق الطبيعي الذي ولد مع الإنسان وأهم أشكاله حق الحياة وما يتوالد عنه من حقوق وسائل التلبية، وهناك الحق المدني وهو الحق الطبيعي وقد أصبح مشرعَاً من سلطة مجتمعية.
ولأن هناك إجماعا على جملة من الحقوق الأساسية للإنسان المؤسَسَة على حق الحياة فلقد وجب حمايتها من السلب، فكان القانون.
فالقانون هو قوة حماية للحق، وما كان للحق أن يكون له قوة قانون إلا لأن هناك حالات اعتداء على الحق، ومن قوة القانون وحمايته للحق من أي اعتداء نشأت العقوبة القانونية بوصفها الرادع القانوني لكل من يعتدي على الحق، وبدورها نشأت السلطة القضائية لفض النزاعات المرتبطة بالحق وخرق القانون.
ومع تعقد الحياة وانتقال الإنسان الدائم إلى مزيد من الحقوق المرتبطة بالعيش وازدياد تنوع الحقوق تنوعت المؤسسات والتي هي مؤسسات حق، فمؤسسات التعليم وما يتصل بها هي مؤسسات الحق في التعليم، ومؤسسات الإسكان هي تنظيم حق السكن الخ.
ولكن ما الذي هو حق وما هو ليس بحق؟ إنها سلطة الدولة، إذاً الدولة هي السلطة العليا للحق، ولهذا عندما نقول دستور الدولة فإننا نعني دستور عيش الناس في حقل الحق، بل عندما يتحدث كائن ما عن حق الدولة فإنما يقصد بالضرورة حق الناس الذي قررته الدولة.
فكل إنسان يمتلك حقاً في قانون السير بوصفه قانوناً شرعته الدولة ونظمته مؤسسة السير وكل ذلك من أجل حماية حق الحياة في النهاية وتوفير السعادة للبشر.
ما الذي دعاني للعودة إلى ما يشبه البديهيات؟ إنه نسيان الترابط بين هذه المفاهيم الثلاثة: الحق والقانون والدولة.
فالواو هنا ليس مجرد حرف عطف، بل هي أداة ترابط، ولهذا فإن أي فصل بين هذه المفاهيم: الحق والقانون والدولة سيؤدي في حالة حدوثه إلى ما لا يُحمد عقباه، بل وأي اعتداء على هذا الترابط سيؤدي ولا شك الى اعتداء على الإنسان، فمن شيمة الحق أن يتساوى الناس في الحقوق وأن يكون هناك قانون يُحِق الحق، ودولة تسن قانون المساواة في الحق.
هبْ أن هناك حقاً مشتركاً بين جميع الناس، ثم سنت الدولة قانوناً يحمي اشتراك الناس في هذا الحق، ثم تحولت الدولة إلى سلطة اعتداء على الحق المشترك فإن الدولة في هذه الحال ألغت من الحياة فكرة الحق والقانون، وبالتالي وقع التناقض بين الدولة والمجتمع بالضرورة بوصفها سلطة اللاحق.
والنظام الدكتاتوري هو في جوهره امتلاك الدكتاتور وجماعته الحق في سلب الحق عن الآخرين، وسن قانون اللاحق الذي يبيح للبنية الدكتاتورية أن تعتدي على حقوق الناس، من هنا يبرز خطر فض الترابط بين الحق والقانون والدولة، وبخاصة إذا شرعت سلطة دولة شرعة سلب الحق، أو مارست جماعة حاكمة خرق القانون الحامي للحق.
والتعين الواضح للترابط بين الحق والقانون والدولة هو المواطنة. فمفهوم المواطنة هو التعبير الأرقى عن حق الناس في تحقيق حقوقهم بما في ذلك حقهم في انتاج سلطة الدولة المشرعة للحق والحامية له.
وإذا ما تأملت أيها القارئ العزيز في حقيقة ما يجري في بلدان الربيع العربي الآن فلن تجده إلا ثمرة من ثمرات غياب الترابط بين الحق والقانون والدولة، بل وتحول سلطة الدولة إلى جهة معادية للحق.