خذ شقّة سكنيّة متواضعة في عمارة متداعية إلى السّقوط. و اعلم أنّ أبوابها و نوافذها مفتوحة في الصّيف و الشّتاء لكلّ من هبّ و دبّ، لصائدي الثّورات و لحاويات السّلاح و الجمعيّات. ثمّ اعلم-أعزّك الله- أنّ في الشّقّة غرفا معدودة، كلّ غرفة منها يسكنها حزب من البشر و أنّ المجموع لا يُمثّل إلّا عدد الأفراد المكرهين على التّساكن معا بسبب العجز عن غير ذلك. و الكثير منهم يضيق صدره من هذا التّساكن الإجباريّ فيُلقي بنفسه من شاهق أو يسبح في بحر الموت بحثا عن مهرب.
يحدث أنّ الغرفة التي يسكنها بعضهم تطرد واحدا أو ينضاف إليها واحد،يُقتل فيها واحد أو يولد آخر. و يحدث أنّ المكلّف بإدارة الشّقّة أضعف من الضّعف. لكنّ الآخرين أكانوا يُحبّونه أم يكرهونه لا يفوقونه بشيء حتّى و إن ادّعوا كلّ ادّعاء.
في أحاديث الغرف الجانبيّة و عندما تتغيّر جزئيّا مكوّنات السّاكنين فيرتقي بعضُهم إلى فريق الإشراف و يهبط بعضهم إلى مهام أخرى…يمكن حينها إمضاء الوقت المتوفّر بكمّيّات كبيرة للتّحدّث عن عائلة فلان التي توزّرت، و العائلة الأخرى التي تيتّمت، عائلة علّان التي صارت في الحكم و عائلة فلتان التي صارت في المعارضة و عائلات لا من هؤلاء و لا من هؤلاء…طبعا توزّرت أو تيمّت أو حكمت أو عارضت في شقّة متواضعة في عمارة متداعية لا أحد يملك من أمرها شيئا…و مجموع الكلام في الغالب إشاعات تتغذّى من إشاعات و كلام لا يلد إلّا كلاما…
كلّ شقّة مهما تواضعت تسكنها أحلام كثيرة…لكنّ الأحلام بدورها و مع الاهتراء اليوميّ لا تكون في النّهاية إلّا على مقاس الشّقّة…متواضعة جدّا. و عندما يأتي وقت التّحوير في المكوّنات الصّغيرة بانتخابات أو بضغط نقابات أو لتنشيط أسواق الإشاعات يهتزّ السّاكنون على إيقاع باهت…و كلّ في بؤسه يحسب مكاسبه الصّغيرة بتعيين هنا و إقالة هناك.
كلّ شقّة متواضعة لا تعكس في الغالب إلّا خلافات صغيرة بين سكّانها.هم مهمومون بهذه الخلافات الصّغيرة عن ترميم شقّة تكاد لا تستر عوراتهم…خلافات أرقاها حول تحسين أجور العبيد ليبقوا عبيدا.
و كلّ شقّة أيضا مهما فسدت لا تخلو من صادقين ممّن لم يستطيعوا التّأقلم و عجزوا عن الفعل. هؤلاء ينتابهم إحساس جارف بأنّهم ضحايا كلّ تحوير، و أنّ الشّقّة السّكنيّة المتواضعة في العمارة المتداعية تحتاجهم كي تسقط على رؤوسهم إن سقطت.
و تحتاجهم كي يكونوا عبيدا في غرفهم الجانبيّة إن استمرّت باستمرارهم عبيدا.
اللّهم أنعمت فزدنا.