رسالةُ تَهنِئةٍ إلى جنابِ المُشيرْ

Photo

جَنابَ المُشيرْ!
وأَعْنِي تَمامًا: جنابَ الرّئيسِ الّذي كانَ أمْسِ ...
جنابَ المُشيرْ!
وأَعْنِي كذلكْ .. !
جنابَ الفريقِ الَّذي أَعْلنَ الحربَ يومًا على شَعْبِهِ،
وَغَزا كلَّ ساحاتِهِ ...
ساحةً ساحةً، شارعًا شارِعًا ..، وَسَريرًا سريرْ!
فقطْ كي يَصيرْ: جنابَ المُشِيرْ!
أُهنِّئُكَ اليومَ يا حَضرةَ الجنرالِ، الفريقِ، الرَّئيسِ،
المُشيرْ !
بِفوزكَ في الانتِحَاباتِ،
أقصدُ: في الاِنتِخاباتِ ..
مِنْ دونِ نِدٍّ لكَ أَوْ نظِيرْ .. !
وتَعرِفُ أنّ الّذي بيننا سيِّدي الجنرالَ،
قليلٌ كثيرْ .. !
وليسَ الّذي بيننا في الحقيقةِ شيءٌ سِوى ...
سُوءِ فهمٍ بسيطٍ،
وَنهرٍ منَ الدَّمِ والدَّمْعِ لا يُفسِدُ الوِدَّ يا سيّدِي بيننا ..
أوْ يَهُزُّ الضّميرْ .. !
وأَعترِفُ اليومَ أنّي تأخّرتُ في واجِبِ الاعتِذارِ ..
تَأخّرتُ جِدًّا ..
و بالَغتُ في لِعبةِ الانتحارِ ..
وَأَعرفُ أَنِّيَ كابَرْتُ أكثرَ ممّا يَجِبْ!
وَجَرحتُ على عادَتِي خنجرَ الدَّولةِ العاطِفيَّةِ،
مِنْ دونِ أَدْنى سَبَبْ .. !
وَبِأَنِّيَ مَزَّقتُ قلبَ الرَّصاصِ النَّبيلِ،
بِلَحْمٍ غَثيثٍ رَثيثٍ وَ عارِ .. !
وَبالَغْتُ فيما يُسَمَّى الوفاءْ ..
لِمَا كانَ أيضًا يُسَمَّى: دمَ الشُّهداءْ .. !
و لاَ عُذْرَ لي أَبدًا حَضرةَ الجِنِرالِ ..
تَصوَّرتُ أشياءَ مُوغِلَةً في الخيالِ:
أَمانًا، وحُرِّيَّةً ... وَكَرامَهْ!
وكِسْرةَ خُبْزٍ لكُلِّ فمٍ جائعٍ في البِلادِ ..
وعُشًّا لِكلِّ يَمامَهْ!
ولاَ عُذْرَ لي أَبدًا حَضرةَ الجِنِرالِ ..
فَكَمْ حذَّرَ النّاطِقُ العَسكرِيُّ من الفِتْنَةِ النّائِمَهْ !
وتَوعَّدَ بالرَّجمِ والْمَسْخِ،
والْعَزْلِ و السَّحْلِ، واللَّعنةِ القادِمَهْ ... !
وَها قَدْ خَسِرْنا الحُروبَ جميعًا أمامَ جَلاَلَتِكُمْ،
غيرَ أنّا رَبِحناكَ يا سيِّدِي في الْخِتامِ،
زَعيمًا عَظيمًا .. جديدًا قديمًا ..
وَبَدْءًا بِلاَ خاتِمَهْ .. !
فَلَكَ اليومَ كلَّ التّهانِي ..
لنَا الْيومَ كُلَّ التّهانِي .. !
سَنَنسى قريبًا ... جميعَ الشِّعاراتِ والانْكِساراتِ،
حُمَّى القَضايَا الْعَظيمةِ، والدَّولةِ الْوَطَنِيَّةِ،
فَوضى السِّياسةِ و الانتخاباتِ ..
حَتْمًا سَنَنْسَى ..
وما قِيمةُ الْاِنتِخاباتِ؟ ..
كانتْ مُجرَّدَ أُرجوحةٍ للْأرانِبِ،
أَوْ نَزْوةٍ عابِرَهْ .. !
وَعناكِبَ مِنْ وَرَقٍ في الصَّنادِيقِ،
"تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَهْ "
وَسَنَنْسَى ..
صُراخَ الْمَلاَيِينِ مِنْ حولِنا في الْمَيادِينِ،
حَتْمًا ... سَنَنْسَى .. !
و خَفقَ القُلوبِ على كُلِّ كَفٍّ ..
وأحلامَنا في عُيونِ الصِّغارِ،
ودَمْعَ الْحبيباتِ والأُمَّهاتِ،
يُسَجِّينَ أَكْبادَهُنَّ ..
على جَمْرِ أَكْبادِهِنَّ
أَجَلْ ... سَوفَ نَنْسَى .. !
وُرودَ الخُدُودِ الّتِي أَحْرَقَتْها صواعِقُ أَيِلُولَ،
حَتْمًا ... سَنَنْسَى .. !
وصَهْدَ الجِباهِ العرِيضةِ في مِحْجَرِ الشَّمسِ ...
دمعَ الضَّراعةِ والزُّهْدِ عند الصّيامِ،
وعندَ القِيامِ ..
ودَعْواتِنَا في سُكونِ الظَّلامِ ..
أَجَلْ ... سَوفَ نَنْسَى ..
دُموعَ الحرائرِ،
والْبَلَدَ الْمُستَباحَ الحزينَ ..
وما أَحرقَ الْجُندُ،
مِن جُثثٍ فِي الطّرِيقِ ..
سَنَنْسى الْملاعِينَ والْمُعْدمينَ،
و مَنْ أَشْعَلُوا شَمعةً فوقَ قبرِ الشَّهيدِ ..
وسارُوا على درْبِهِ واثِقِينَ ...
سَنَنْسَى حَرائِقَنا كُلَّها ... وَنَتُوبُ إِلَيْكْ .. !
لعلَّكَ تَغْفِرُ يومًا،
وَتُطْعِمُنا مِنْ يَدَيْكْ .. !
سَننسى إذا شِئْتَ كلَّ الّذي كانَ، أو سَيكونُ ..
وَلكنَّ أَمرًا بسِيطًا يُحيِّرُنا حضرةَ الْجِنِرالِ ..
بَسيطًا تَمامًا ...
نُريدُ فقطْ أنْ تُجيبَ لِتُخْبِرَنا – إِنْ أَذِنْتَ –
فقطْ ... كيفَ نَنْسَى .. ! ؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات