اليوم ... يوم رابعة
لم يبق بعدها أبدا شيء كما كان
لا النّاس ، ولا المكان ولا الأحزان ، ولا الحياة ولا حتّى الموت …
لم نر قبلها حياة بكلّ ذلك الامتلاء واليقين والخشوع و الجنون
ولن نرى بعدها موتا بكلّ تلك المرارة ...
بعد رابعة خسرت كلّ أصدقائي..
القاتل تناسل وانتشر وحلّ في وجوه كثيرة ، وأسماء كثيرة ... كانت قريبة ، أو حميمة ، تشاركك قهوتك ،
وأيّامك ، و مصباحك وزيتك …
من صفّق ، ومن هتف ، ومن سكت ، ومن برّر ، ومن تلعثم في ذلك اليوم ..قاتل ، قاتل ،قاتل .. حرام صحبته ، حرام عشرته ، حرام أن تشرب من مائه ـ أو تأكل من طعامه ، أو تمدّ له يدا ، قبل أن يغسل قلبه ويتطهّر تماما من لعنة رابعة …
إيّاكم أن تصدّقوا أنّ هناك فرقا بين ما هو عامّ وما هو خاصّ …
هناك الكثير من الأيدي التي تصافحها كلّ يوم ، لو تأمّلتها جيّدا ، لرأيت دمك عليها ، ساخنا
لو كانت رابعة جريمة العسكر فقط ، لهانت …
رابعة جريمة نفّذها العسكر ، لكنّ من خلقها وخطّط لها وبرّر ، وحضّر مسرح الجريمة وغسل الدّماء وأتلف الأدلّة وآوى المجرم ... هو شعب ، ومجتمع كامل ، منذ عقود ..
كتّاب ومفكّرون وفنّانون وإعلاميّون و سياسيون و مثقّفون و متديّنون و عاهرات وعاهرون ..
هناك حالة ثقافيّة وسياسية وذهنيّة كاملة ، لدى جزء كبير من أبناء جلدتنا ، أوصلتنا إلى رابعة
هذه الحالة ، مازالت قائمة ، بكلّ شروطها ، ومازالت تنذر دائما ، بألف رابعة …
بعد رابعة تغيّر طعم كلّ شيء، ولون كلّ شيء، ومعنى كلّ شيء
رابعة هي الحدّ الفاصل ، بين أن تكون إنسانا ... أو أن تكون شيئا آخر ، مازال بلا تصنيف
رابعة هي الميزان…
" والسّماء رفعها ووضع الميزان"