من لليتامى !

Photo

من لليتامى ؟ ... لا أبٌ لهمُ و لا أمُّ ...

رحل الأحبّةُ دونهم ، ليلى وزيْنُ العابدينْ

عامان لا خبرٌ يذيبُ الثّلجَ أو يَشْفي غليلَ البائدِينْ

عامان دون رعايةٍ موصولةٍ

دون التفاتَتِه الكريمةِ أو سياستِهِ الحكيمةِ ،

أو عنايتِهِ … و توجيهاتِ حضرتِه ،

و دون جحيمِ جنّتِهِ ، وحرصٍ من سيادتِهِ …

على مرّ السّنينْ ..

حتّى المواكبُ لم تعد تلك المواكبُ ،

كان يمشي بينهم مثل الإلهِ على رقاب السّاجِدينْ

تَعْنُو له كلُّ الوجوه ، وجوهِهم ،،

و تُمرَّغُ الهاماتُ بين يديه ذلاًّ وانكسارَا ،

مثل غضِّ العشبِ تحت حذائِه يتقصّفُ ،

و يبوسُ خدّ حذائِهِ ليلا نهاراَ ..

عامان مرّا و اللّيالي مُرَّةٌ ،

و حياتُهم ليلٌ بلا ليلَى ، و في أكبادهم جرحٌ دفينْ

حتّى نوفمبرُ كان يأتي بالرّبيعِ الطّلقِ في عزِّ الخريفِ ،

فتزهر السّاحاتُ و الشّاشاتُ..

صار اليومَ - يا لهْفِي - نُوفَمْبَرُهُمْ حزينْ

من لليتامى ؟؟؟

كان سيّدُهم رحيما طيّبًا ..

و عصاهُ من ذهبٍ ، يَهشُّ بها على الغنَمِ الوديعَهْ ..

كان يكفي أن تُطيعَهْ

كي يُدلّلَها ويَحمِلَها على الكتفينِ أعلَى ثمّ أعلى ثمّ أعلى ما يكونُ ،

إلى المقاماتِ الوضيعَهْ ..

عشرين عامًا منه وازدادتْ ثلاثا ، وهو يَسقيهِم دمَاء الكادحينْ

و يقطّرُ العرق المصفّى في خزائنِهِمْ ،

و يكسوهم جلودَ الجائعينْ

عشرين عاما يهتفونَ ، يُثمّنونَ وُعُودَهُ ،

ويُحدّثون عن العدالةِ والأمانِ ودولةِ العميانِ ،

عن حرّيّةِ الإنسانِ رغم سلاسلِ السّجَّانِ ،

كان يعلّم العلماء كيف يفكّرونْ

ويعلّم الشّعراء كيف يعبّرونْ

ويعلّم الفقهاء كيف يسبّحونْ

ويعلّم العشّاق كيف يغازلونْ

ويعلّم الأموات كيف يصفّقونَ ويرقصون ويحلمون بعطفهِ ،

و يُناشدونْ …

فمن لهم ؟؟ من لليتامى بعدهُ ؟

مرّت شهورٌ أو تزيدْ ..

وتحرّكت في الذّئب شهوتُه القديمةُ ، فجأةً …

رُفِعَ السِّتارُ .. و دبَّ فوق الرّكحِ شيءٌ غامضٌ ..

كخطى الذّئاب ترادفتْ تتشمّمُ الحمَلَ الطّريدْ

وكخيطِ نملٍ سار فوقَ دمِ الشّهيدْ

نبتتْ رؤوسٌ للأفاعي من جديدْ

وبكى اليتامى كالصّغارِ الغُرِّ بين يديْ سليلِ الغابرينْ

هذا زمانُك أيّها الحاوي العجوزُ المنقِذُ..

أطلقْ دخانكَ ، واصطنعْ لرياحنا فُلْكًا ..

ومنّا العهدُ لن نبقِي لهم مُلْكَا

و لن نبقي لهم حجرًا ولا شجرَا

ولا شمسًا ولا قمرَا

ولا بيتًا و لا زيتًا و لا صوتًا ولا خَبَرَا ..

سنحرقُ ما تبقّى تحت أرجلهم وفوق رؤوسهمْ

حتّى يَعُودوا مرّة أخرى حفاةً طائعينْ ..

لك ما تشاءُ من الكساءِ … كسائِنا

خذ ما تشاءُ من النّساءِ … نسائِنا

لك ما تشاءُ من الغناءِ أو البكاءِ ، من المديحِ ومن تذلُّلِنا الفصيحِ ،

من الجرائدِ والقصائدِ، من بقايا سكرِنا أو صحوِنا

وكنِ النّبيَّ المنتظرْ ..

إنّا غُلِبنا فانتصرْ

إنّا غلبنا فانتصرْ . ..

وسرى ابنُ آوى من جديدٍ تحتَ جنحِ اللّيلِ يعتصرُ الدّوالي النَّائمهْ

ويبيعُ تاريخًا ذميمًا فاسِدًا …

فتفوحُ رائحةُ الخيانةِ والدّماءِ

دماءِ صالحٍ بنِ يوسفَ و الكرامِ ولزْهرِ الحرِّ الشّهيدْ

قل ما تشاءُ وما تُريدْ

اليوم تلقَى اللّعنةَ الكبرى و يلفُظُ قبرَك التّاريخُ دونهمُ

فاحشُدْ بقايا البُومِ والغربانِ والنّملِ المُهاجرِ واليتامَى و العبيدْ

ما عادَ يعرفكم صغير أو كبير بيننا

ما عاد يجهلكم جهولٌ بيننا

ما عاد يسمعكم سميع بيننا

ما عاد يبصركم بصير بيننا

إنّا خُلِقْنا من جديدْ

وسنشهد اللهَ الّذي أحيا الشّعوبَ بنا و أوقدَ نارَها ،

ما عاد في أوطاننا كفٌّ نقبّلها ، نصافحها ، نعاهدها ، ونرفعها ،..

سوى كفِّ الشّهيدْ

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات