أخيرا حنّ الدّم، وحرقهم الحليب على “أولادهم”… أخيرا شمّوا قميص يوسف، فوجدوا به ريحه، ولانت قلوبهم وقد كانت كالحجارة أو هي أشدّ قسوة… أولادنا”… هكذا نطقها بوبكّر عكاشة، بكلّ عاطفيّة وإشفاق وحنان… غنّاها بصوته المشجون فدمعت عيناه من التّأثّر… “أولادنا”…
“ كان حيعيّط من صدق الأبوّة وحرقة التّفكير في مصيرهم… وردّدتها سعيدة قرّاش… “أولادنا”… ثمّ شقّت جيوبها وضربت في الصّحراء…وردّدها الجهبذ المختصّ في عقوق الأبناء وحرقة الآباء “عنيّة العنّاني” ببحّة في الصّوت وكدر في القلب وتنهييييدة عميقة.. “أولادنا”…
أرأيتم كيف يحنّ الدّم، وتنفجر الصّدور بالحليب، لمجرّد أنّ الأب الأعظم نطقها بلا لبس ولا مواربة.. “أولادنا”…
هل تتذكّرون يوم قالها الغنّوشي ؟؟؟… هل تتذكّرون كيف جعلوا تلك الكلمة لعنة عليه إلى يوم القيانة… لا يمرّ يوم ولا موضوع دون أن يقحموها في كلّ مقام، ليذكّرونا بأنّ الإرهابيّين أولاد الغنّوشي، وهو الّذي ربّاهم وعلّمهم ودرّبهم وجنّدهم وسفّرهم لجهاد السّلاح والنّكاح… الغنّوشي كان أبا سيّئا، وكان عليه أن يكفّر عن أبوّته بالحديد والنّار والدّم إذا لزم الأمر…
أمّا السبسي فأب صالح، يفتح حضنه لأولاده حتّى يعودوا طيّبين تائبين، فيقرص آذانهم قليلا، بضع سنوات في السّجن، ثمّ نطوي الصّفحة ويلتمّ شمل العائلة السعيدة، في المزرعة السّعيدة…
سبحانكم اللّهمّ… أريتنا من عجائب قدرتك وإحكام خلقك في كلّ شيء، فما رأينا أعظم ولا أغرب من عجائب مخلوقاتك المتحوّلة جينيّا وجنسيّا وذهنيّا وسياسيّا وأخلاقيّا… في هذا البلد العجيب.