اليوم أرسلت الكتب عبر البريد إلى الأصدقاء والصّديقات الّذين طلبوها على الخاصّ، شكرا على محبتكم وثقتكم وإيمانكم ببعض ما أكتب...
كتّاب الثّورة ليس لهم "ماكينة" مثل عرّابي الاستبداد وأبواق الفساد والانحطاط وكلاب التلفزات المسيّبة والمربوطة، لكنّنا نحارب بما استطعنا... بصدور عارية نحارب في ساحة لا يريد الكثيرون أن يروها، الأحزاب المحسوبة على الثورة والجمعيات والمنظمات كلّها بدون استثناء، ستبقى عمياء ضالّة مادامت لا ترى أين تدور المعركة الحقيقيّة ، معركة القيم والمفاهيم والمعاني تدور في العقول، ولا سبيل إليها إلاّ بدعم ثقافة الثورة أدبا وشعرا وموسيقى ورواية ومسرحا وسينما وغير ذلك .
هم يدفعوننا دفعا إلى الانتحار على أرض المعركة، أو إلى الاستسلام المذلّ المخزي، لجنديّ خذله جنرالاته، فحارب حتّى آخر رصاصة... لكنّه في النّهاية يتقدّم نحو عدوّه رافعا يديه وعيناه معلّقتان بجثث رفاقه المتناثرة على طول الطّريق…
هذا هو المشهد أيّها السّادة… زعماؤكم لا يرونه ولن يروه، ماكينتهم لا تظهر إلاّ في الانتخابات، أمّا إذا تعلّق الأمر بإيصال الأدب الثائر المقاوم للناس لبناء الحياة وثقافة الحرية والرجولة، فهم صمّ بكم عمي …
أجدّد شكري لكلّ من مازال في نفسه ذرّة إيمان بالكلمة سلاحا وبلسما وصلاة…
وأسحب ثقتي من كلّ زعماء الطّبل البلديّ … حتّى يستحوا.
رواية "الثقب الأسود"، وديوان "عادات سيف الدولة" في المعرض الدولي للكتاب / جناح مكتبة تونس رقم (315 تدخل من الباب الرئيسي تمشي "tout droit" للآخر تلقاها … بجانب الكافيتيريا…)
تعود الرواية إلى بداية التّسعينات، "خالد الشّرفيّ"، سائق سيّارة نقل ريفيّ، في قرية من قرى الشّمال التّونسيّ، نصف مثقّف، لا علاقة له بالسياسة ولا بالإسلاميّين، غير أنّه يجد نفسه بالصّدفة في قلب الرّحى إبّان حملة النّظام آنذاك على ما عرف ب" الإخوانجيّة"، يعتقل ويحكم عليه بالسجن لمدّة خمس سنوات، ويعيش أطوار المحرقة، لكنّه يسترجع، وهو داخل السّجن حبّه الأوّل، الّذي فقده منذ عشر سنوات، ويعيش تجربة صداقة عميقة مع أحد المعتقلين السياسيين، جعلته يتغيّر من الدّاخل، ويعيد النظر إلى كل ما فات من حياته بشكل مختلف، ويعيش السّجن بعمق وصفاء يصل أحيانا إلى حدّ السّعادة بتلك التّجربة التي غيّرت حياته، لكنّه يكون شاهدا في النّهاية على جريمة دولة، وتنجرف الأحداث بشكل دراميّ في اتّجاه آخر، ويصبح الصّراع من أجل البقاء…
البطل الثّاني، الّذي يظهر في ستّة فصول هو الحبيبة المفقودة، "فدوى العمدوني" معلّمة، تفقد والديها مبكّرا، ثمّ تضطرّ إلى حياة أخرى، تعيش زواجا فاشلا من عربيد بلطجيّ، تكتشف السّلطة علاقتها بخالد الشرفيّ، وتسعى إلى مساومتها وتجنيدها لمراقبة بعض زملائها… تتطوّر الأحداث، فتجد نفسها في مواجهة قاتلة مع طليقها الذي يصرّ على الرّجوع إليها ثمّ يحاول اغتصابها، ومع السّلطة التي تحاول أن تغتصب شرفها بشكل آخر، وفي خلال كلّ ذلك، يبقى خالد الشّرفيّ هو الجدار الوحيد الذي تستند إليه…
ويدور الصّراع ، من أجل الشرف…
الرواية كتبت بأسلوب السّرد الدّائريّ، الّذي ينطلق من نفس النّقطة الّتي سوف ينتهي إليها، وتتفرع إلى أحداث أخرى كثيرة تدور في أزقّتها الخلفيّة، وتفيض من الجانبين، فيظهر أبطال آخرون في المرآة، ويكتشف القارئ في نهايتها أنّه تعرّض إلى عمليّة خداع فنّي جميل، حيث يكتشف أنّ الأبطال الحقيقيّين لم يدفع بهم الكاتب إلى الواجهة…
رواية "الثقب الأسود"، هي رواية الصّراع من أجل البقاء، ومن أجل الشّرف… هي جمرة الذّاكرة في مواجهة عتمة النّسيان، تراجيديا التّسعينات وشهادة عن زمن يريدونه اليوم بلا شهود، ملحمة الحبّ والصّداقة والقيم الكبرى الّتي تصارع من أجل البقاء في قلب العاصفة، وهي في النّهاية تعبير صادم عن سياق وطنيّ وقوميّ قاتل، لكنّه زرع في النّهاية من حيث لا يشعر، بذور فنائه وانتصار الحياة…