أنا أعتقد أنّها مازالت كذلك، بل هي في طليعة القوى المدافعة عن الثورة.
هناك مقاربتان للنظر إلى الموضوع،
المقاربة الأولى تزن المواقف بالتصريحات النّاريّة والأصوات العالية والقصف الشعاراتيّ المستمرّ، طبعا مع كلّ الاحترام لهؤلاء الفرسان، إلاّ أنّه من الضروريّ الانتباه إلى أنّ هؤلاء متحررون بالكامل بحكم حجمهم المجهريّ وموقعهم خارج السلطة من أيّ مسؤوليّة سياسيّة وبالتالي يحقّ لهم أن يدّعوا أقصى البطولات بلا أيّة تكلفة، يكفي أن يقولوا: لو كنّا مكانها لفعلنا كذا وكذا…
الصّنف الثاني ممن يصدرون هذا الحكم على النهضة، هم بالتحديد الصنف الذي كان أوّل من طعن الثورة في الظّهر، جبهة قطّاع الطّرق والحزب الجمهوريّ منظّر جبهة الإنقاذ وبن جعفر الهارب بالمفتاح وحريم بشّار من المتقومجين، كلّ هؤلاء لا يحقّ لهم سياسيّا ولا أخلاقيّا أن يتكلموا باسم الثورة أو يعطوا دروسا في الثورية…
في مقابل ذلك كان على النهضة أن تختار بين أحد أمرين:
أن تبقى في المعارضة، في ظلّ ديموقراطية مشوهة يحكمها المال ولوبيات الإعلام والأمن الفاسد، وفي هذه الحالة يستطيع ورثة بن علي أن يحوّلوا الكاميرا حيث يشاؤون ويشيطنوها ليلا نهارا ويساوموها بالابتزاز الأمنيّ لانتزاع ما يشاؤون من المواقف أو زعزعة الحالة الديموقراطية الهشّة وتعريض المسار كلّه للانهيار…
أو أن تشارك في الحكم، وتتحمّل القصف والشيطنة والمزايدات من شركاء الثورة قبل الأعداء، لكنها في مقابل ذلك تضمن استقرار الحالة الديموقراطية، وتدافع على الحدّ الأدنى الدستوريّ من مربع الثورة
من يعتقد أنّ ميزان القوى بعد ما حدث منذ 2013 مازال في صالح الشعوب والثورات، فهو واهم ونائم وحالم…
لقد فرض على الجميع فرضا، بقوى داخلية وخارجيّة، أن تلعب الثورة في المربع الأخير، ويجب أن يفهم الواهمون هذا … الثورة تصارع اليوم من أجل البقاء، وليس من أجل تحقيق السقف العالي من الأهداف…
هناك من يحلمون بثورة ثانية، هؤلاء من الصعب أن يفهموا أنّ الثورات ليست فاست فود وليس لها كاتالوج معين كي نعيد تشغيلها متى شئنا… الثورات مثل البراكين تماما، لا تنفجر إلاّ بعد عقود طويلة، ودون تخطيط من أحد أو توقّع لساعتها…
كلام لمن يعقل: انقدوا النهضة وحاسبوها وعارضوها ولا تغفروا لها زلّة، فليست منزّهة عن أيّ شيء ولكن حدّدوا مشكلتهم الحقيقيّة مع من… كونوا شرفاء وعاقلين على الأقلّ في صنع أعدائكم.