قرأت الكثير من الرّوايات التي أدهشتني في البداية، هندستها وتقنيتها العجيبة، لكنني مع مرور الوقت، لم أعد أذكر منها شيئا ولم يبق منها شيء... صرت أشعر الآن أنّ كتّابها كانوا يقولون أشياء بسيطة بطريقة في غاية التّعقيد، في حين كان بإمكانهم أن يقولوا أشياء عميقة ومعقّدة وحتّى فلسفيّة بطريقة بسيطة وحميمة ودون تكلّف، كمن يروي حياته لصديق حميم، أو يهذي حبّا على صدر حبيبته النائمة...
لم يعد يدهشني إلاّ ما يترك لسعة في الرّوح لا أشفى منها، صرت أبحث عن لذّة الأسلوب ولذّة المضمون أكثر من أيّ شيء آخر، في الرّواية كما في الشّعر…
الطّيب الجوادي Jaouadi Taieb من أولئك الّذين يغمسون القلم في أرواحهم وفي أوجاعهم العميقة الحيّة، ليرسم تلك البسمة المريرة على شفاهنا، دون أن نشعر أنّه كان يبكي وهو يضحكنا... ذلك الضّحك الأسود الموجع، فنّ له كتّابه العظماء وتاريخه وأثره في الوعي بالمأساة…
الطّيب الجوادي كاتب صادق، لم يدّع يوما أنّ ما ينشره على الفايسبوك نصوص أدبيّة اشتغل عليها فنّيّا حتّى تجلّت في صورتها الأخيرة واكتملت، هو رجل يروي حياته الجبليّة بمتعة مذهلة، يأتيك بالصّورة والمعنى والكلمة كقبضة من الشّهد المعلّق في الكهوف والأجراف الجبليّة البعيدة العالية، فتتمنّى لو أنّه لا يصمت أبدا، ولا ينسى أيّ شيء…
الطّيّب الجوّادي هو نفسه الكاتب والمربّي والإنسان والصّديق، بلا قفّازات ولا عدسات لاصقة ولا أصباغ مهرّجين ولا نياشين ولا كاتم صوت…
هو نفسه، الطّفل الّذي لا يكبر ولا يموت ولا ينسى... لذلك أحبّه، وأحبّ من يحبّه، وأبغض من يجرح قلبه الشّفيف الأخضر، وألعنه إلى يوم الدّين.