أمن جمهوري.. أم أمن استبداد على المواطنين موروث عن بن علي؟
في الديمقراطيات...الأمن جمهوري...في خدمة المواطنين قبل السلطة الحاكمة... وعليه أن يحترم نفس القوانين التي تنطبق على بقية المواطنين...ويلتزم بها مثلهم...وليست له قوانين خاصة به...على خلاف المواطنين....
بل إن هناك عديد العقوبات المشددة ضد الأعوان عند خرقهم للقوانين...لأن الأمني الساهر على تنفيذ القوانين وفرض احترامها من طرف غيره من المواطنين.. لا يجب ان يخون الأمانة التي هي في عهدته.... ولذلك نرى عادة المواطن في تلك البلدان يحترم الأمنيين...ويتصرف معهم بالود...وترى حتى الأطفال يتمنون الالتحاق بسلكهم…
ولهؤلاء الأمنيين الجمهوريين في الديمقراطيات...الحق مثلهم مثل بقية المواطنين... في أن تكون لهم نقابات أمنية للدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية.....في وجه...السلطة السياسية الحاكمة...المنبثقة عن الانتخابات...دون سواها.... وتقيهم النقابات من وجوب تنفيذ التعليمات السياسية اللاقانونية او الإجرامية...المتلقاة من السلطة الحاكمة إن وجدت...
أما في البلدان الاستبدادية فإن أجهزة الأمن تخدم السلطة الغاشمة وتنفذ تعليماتها القمعية....فتعادي المواطنين...وتقترف الجرائم الجسيمة في حقهم )تعذيب...اختطافات خارج نطاق القانون...تلفيق قضايا ضد ضحايا اعتداءاتهم...ابتزاز المواطنين في أرزاقهم...استغلال النفوذ الأمني للحصول على الرشى مقابل إسداء خدمات قانونية أو التغاضي عن تنفيذ الأحكام القضائية...الخ)…
وينفذ القضاء التابع لتلك المنظومة الاستبدادية...رغباتهم وتعليماتهم...رغم علمه بجرائمهم....
وليس للأمنيين الحق في نقابات...في الأنظمة الاستبدادية...لأنهم لا يخضعون إلا لتعليمات السلطة التنفيذية المستبدة...ولا للقوانين الصادرة (ولو نظريا)عن نواب الشعب....وليس لهم ان يعارضو التعليمات...او يناقشوها...او حتى أن يتلكؤوا في تنفيذها على وجه السرعة...والا يصبح مصيرهم ربما في خبر كان…
هكذا كان الأمر في تونس قبل الثورة...وقد عايشناه جميعا...مواطنين وأمنيين...
بعد الثورة دافع الحقوقيون والعديد من الأطراف السياسية الديمقراطية التي واجهت الاستبداد وقمعها بوليس بن علي...لأنهم مؤمنون بضرورة إرساء الديمقراطية ومن ضمنها أمن جمهوري...على تمكين الأمنيين من الحق في العمل النقابي... ولكن....يتضح...يوما بعد يوم... أن ما بالطبع لم يتغير…
فالبيان الأخير الذي اقترفته بعض النقابات الأمنية... إثر الاعتداء الإرهابي الفضيع البارحة على أمنيين في ساحة باردو...بجانب مجلس نواب الشعب...خطير جدا...جدا.... وهذه ليست المرة الأولى التي تُستغل هذه الجرائم الارهابية الفظيعة ضد أمنيينا...من طرف هؤلاء... لغرض في نفس يعقوب...غرض آخر....
فمن هو غير مطلع على القوانين السارية المفعول الآن...الموروثة عن الاستبداد...وكيفية تطبيقها اليوم من مختلف محاكم الجمهورية...فإن الأمنيين "محميين" قانونيا وقضائيا...اكثر من المواطنين اضعاف المرات...محميين من الإرهاب...ومن مختلف الجرائم التي يمكن أن يتعرضوا لها...(اطلعوا على قانون الإرهاب والمجلة الجنائية)...وحتى عندما يقترفونه جرائم ضد مواطنين..
فمن عوقب مثلا منهم من أجل جريمة التعذيب، وهي جناية جسيمة في القانون ولا تسقط حتى بمرور الزمن مثلما ينص عليه الدستور؟...والحال أن الحكومة تعترف عالميا أن التعذيب موجود في تونس...وغيرها كثير...يتعلق بالفساد والرشوة وتدليس المحاضر...إلخ…
في تونس لا علاقة بين درجة حماية الأمنيين...ودرجة حماية المواطنين من الأمنيين...في القوانين ولدى القضاء... والمطروح اليوم هو اقلمة القوانين الموروثة عن الاستبداد مع الدستور...وارساء قضاء مستقل...لحماية المواطنين من تواصل الانتهاكات الاستبدادية ضدهم…
قانون "حماية" الأمنيين هو.."ملخر" ليس أساسا سوى قانون لتشديد العقوبات ضد المواطنين العزل...الذين يلفقون ضدهم قضايا تنتهي أحيانا بأحكام مخففة وفي قليل من الحالات بعدم سماع الدعوى...والهدف الذي لا غبار عليه...هو ترهيبهم...في إطار علاقة حاكم صاحب النهي والمنكر...امام مواطن عليه ان يطاطا رأسه....بعد ثورة حرية وكرامة...ضد قمع بوليسي بإمرة بن علي وأزلامه…
تونس الثورة ....أنتجت بعض النقابات الأمنية...(وحذاري من التعميم على كل الأمنيين)...نقابات لا توجد إلا في تونس...فهي تدافع خلافا عن رسالتها الجمهورية والديمقراطية ...عن سن قوانين استبدادية ضد المواطنين... وتعميق انتهاكات سلطة الاستبداد ضدهم ... هي في تناقض تام مع الدستور التونسي الجديد...المنبثق عن الثورة.....وتخرقه...في التصريحات والبيانات...والممارسات..
فماذا سيكون الحل والموقف الذي سيقترحه ويدافع عنه المجتمع المدني والأطراف السياسية الديمقراطية التي واجهت استبداد بن علي...والتي تشكلت إثر الثورة...لإيقاف هؤلاء المارقين عن دستور الجمهورية...ووضعهم عن حدهم؟
السؤال مطروح على جميع الديمقراطيين... فقد بلغ السيل الزبى…