كلمة حق أريد بها باطل... أو قانون "حماية" الأمنيين لاضطهاد المواطنين أكثر ولا غير…

Photo

هذا القانون موجه ضد المواطنين لا غير... وتقوده عقلية استبدادية...ضدهم.... ولا علاقة لهذا القانون بالإرهاب والإرهابيين …

فالجميع يعرف أن للإرهابيين قانون خاص بهم...وهو قانون الإرهاب المتشدد في توصيف الجرائم الإرهابية والعقوبات والإجراءات ومدة الاحتفاظ وسقوط العقاب والجريمة بمرور الزمن...الخ...متشدد اكثر من القوانين التي تتعلق بالمواطنين والتي تنص عليها المجلة الجزائية والنصوص الجزرية الأخرى…

هذا علاوة على أن الإرهابيين لا تعنيهم الدولة المدنية...ولا قوانينها... مهما كانت متشددة...ومعظمهم ليسو حتى على علم بمحتواها ولا يهمهم…

فهم إن قرروا اقتراف فعل إرهابي ضد الأمنيين...أو ضد المواطنين (وهذا ما يحصل عادة أكثر من غيره....فعدد ضحايا الإرهاب من المواطنين العزل لا يمكن مقارنته)...فلا يدور بخلدهم ما ينتظرهم من عقاب…

بل كل ما يفكرون فيه هو القيام "بفعلتهم"... لأنهم يعتقدون أن "جزائهم عند الله...وان أفعالهم طريق للجنة والخلود..."...ومن لا يعرف هذا عليه سوى تحيين معلوماته...ومن يعرف ويضلل المواطنين فبن علي أهون منه...لأنه لم يتجرأ على هذه الفعلة…

لقد كانت العلاقة بين الأمنيين والمواطنين زمن الاستبداد علاقة عداوة... لأن السلطة استعملت الأجهزة الأمنية المتكونة من مواطنين...لقمع بقية المواطنين... ولسلبهم حرياتهم وحقوقهم وحتى أرزاقهم…

وقد تجلت هذه العداوة في أوجها أثناء الثورة وبعدها...بسقوط المائات من الشهداء والجرحى من بين المواطنين المحتجين على الاستبداد والفساد من جهة....وحرق عشرات مراكز أمن ومطاردة أمنيين من جهة أخرى....

ولكن، بفضل نشر مبادئ الدولة المدنية الديمقراطية، دولة الحق والمؤسسات الديمقراطية، بين المواطنين رويدا رويدا...إثر الثورة...التي أطلقت حرية التعبير في البلاد...وبنشر المبادئ الدنيا للأمن الجمهوري لدى الأمنيين ولدى الجمهور...ظهر بعض الأمل في إمكانية إرساء أمن جمهوري وفي تحسين العلاقة بين الأمنيين والمواطنين…

ولكنه سرعان ما بدأ يتقلص رويدا رويدا...رغم ما تشهده البلاد من تضامن مع الشهداء الأمنيين وجرحاهم وعائلاتهم كلما سقط لنا منهم شهداء وجرحى بفعل الإرهاب...لأن الجميع ينبذه...وقد اغتر بذلك الكثير...بأن فهموا أنه مساندة مطلقة للأمن مهما فعل...ولا ضد الإرهاب…

بدأ يتبخر الأمل بسبب تواصل الاعتداءات على المواطنين وانتهاك حقوق الإنسان والحريات الأساسية....مع الإفلات من العقاب من طرف قضاء لم يكرس بعد، النصوص الدستورية التي تمكنه من استقلاله عن بقية السلطات وعن مراكز النفوذ...وبسبب ترويج خطاب إعلامي والمطالبة بتغييرات قانونية منافية للدستور من طرف بعض النقابات الأمنية يريد الرجوع بتونس إلى ما قبل الثورة...وأكثر…

هؤلاء الذين لا يفهمون سوى في منظومة أمن الاستبداد وآلياتها وممارساتها المنتهكة لحقوق الإنسان ....ولم يتطوروا إثر الثورة.. أو يرفضون التأقلم مع مقتضيات الدستور الديمقراطية بعلمهم...لا يقبلون ان تكون للمواطنين الذي اكتسبوا حريتهم...حقوقا عند التعامل معهم....

لب الموضوع يا أكارم...والغرض من مشروعهذا القانون .. أن من وضعه سنة 2015 ومن يدافع عنه الآن من أحزاب حاكمة وعلى رأسها السبسي...والنقابات الأمنية التي تضغط لتمريره...وتستغل في كل مرة سقوط شهداء من امنيينا لمزيد من الضغط...لب الموضوع والغرض منه... أن هؤلاء أو معظمهم لا يعرفون سوى عقلية "الحاكم" التي تربوا عليها..."الفاطق الناطق" الذي يمسك بكل السلط...والذي يحكم بأحكامه ولا بالقانون...ويتصرف كما يشاء ويطيب له في الحقوق الطبيعية للمواطنين....وهي العقلية التي تراجعت كثيرا بعد الثورة في مخيلة المواطنين...ويستغلون ما أمكن لهم من الظروف وحتى المآتم...لإعادة الكرة…

حذاري أيضا....فمشروع القانون المسمى صلفا لحماية الأمنيين يستهدف في نفس الوقت المواطنين...وأيضا الأمنيين المؤمنين بضرورة إرساء أمن جمهوري واحترام الدستور المنبثق عن الثورة…

لأنه يهدف كذلك إلي توتير وتعكير العلاقة بينهم أكثر مما هي عليه الآن...من جراء انتهاكات أولائك الذين من منهم لم يتخلى عن عقلية "الحاكم"...رغم ثورة حرية وكرامة....وواصل انتهاك حقوق الإنسان...والسياسيين الذين يغطون عليهم ويساندونهم...لأنهم رضعوا جميعا من نفس المدرسة...مدرسة الاستبداد والفساد....

فهل سيترك كل من يؤمنون بضرورة إرساء أمن جمهوري في هذا المجتمع...هل سيتركون هؤلاء يدوسون الدستور؟...وينتقمون من كل من آمن بالديمقراطية ومن المجتمع الذي يطالب بها؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات