رسالة مواطنية مفتوحة… للسيد وزير الداخلية...

Photo

مع نسخة منها للسيد رئيس الحكومة…

لا يخفى عليك أن بن علي هرب لأنه عاث في البلاد استبدادا...وانتهك حقوق الإنسان ضد المواطنين العزل كما طاب له واشتهى...وقد كان مجرما كبيرا وساديا…

فمن بين ما كان يقال عنه حسب الشهادات المتواترة أنه مثلا في أحداث جانفي 1978...رش شخصيا المتظاهرين بالرصاص الحي من على هليكوبتر وكان يتلذذ... وكان يتلذذ أيضا بالتعذيب الذي يأمر به ضد خصومه وضد المواطنين... ويتلذذ بذلك أيضا حتى ضد من خدموه ثم "خانوه"...أعرف هذا شخصيا...بحكم ممارستي…

وحتى الأمنيين لم يسلموا منه كما يقال... فقد عسكر البلاد بالأمنيين الذين كان يتحكم في رقابهم أيضا... فكان يجبرهم على الاعتداء على حقوق المواطنين وحرياتهم وخصوصياتهم...وإن لم يطبقوا تعليماته فلهم الويلات...

وينتهك حقوقهم...فيجبرهم مثلا على العمل ضعف الوقت بدون مقابل إضافي.. ليحمونه أكثر من الشعب وليغطون على فساده وفساد عائلته وحاشيته و"شوشواته"...حتى أننا كنا نعتقد أن عددهم يساوي أضعاف عددهم الحقيقي…

ولم يتحصلوا على جزء من حقوقهم المادية المسلوبة إلا بفضل الثورة... والحرية التي منحها لهم الشعب وقواه الحية....لما أصبح لهم الحق في التعبير والتظاهر.... وكان يخنق حرية التعبير ويعتدي على الصحفيين المستقلين... فمثلا نظم انقلاب على نقابة الصحافيين لما فرض الصحفيون المستقلون استقلاليتها عنه.... وفعل نفس الشيء مع جمعية القضاة لما فرضت استقلاليتها عن تعليماته... وحاول فعله مع رابطة حقوق الإنسان ففشل فيه...الخ...الخ…

ولما تطورت شبكة الهاتف الجوال ثم الانترنات ثم شبكات التواصل الإجتماعي نظم التنصت على المواطنين بأحدث الأجهزة والتقنيات في العالم التي اقتناها بأغلى الأثمان…

وقد واجهها الشباب بحملة وطنية أخذت صدى عالميا ضد المسمى عمار 404 سيئ الصيت... الذي خرج من المشهد مباشرة إثر خطاب "غلطوني" الشهير لصاحبه بن علي ليلة 13 جانفي 2011…

فهل أنت تريد ارجاعه السيد الوزير؟ وإن كنت تريد هل تفهم عواقبه؟

إن لم تستطع فاسأل بن علي...فهو لا يزال حيا يرزق...ولو أنه محتم بآل سعود... ولا يخفي عليك أيضا أن بن علي نظم التنصت حتى على وزراءه والمقربين منه...الذين كانوا لا يتجرؤون حتى على النطق باختلافات جزئية معه...خوفا من بطشه.... أما بقية القائمة فهي طويلة جدا...جدا... ولا فائدة من الإطالة فيها بما أنك تعرفها…

انبهك أن التنصت أصبح بعد الثورة جريمة...فهل تعلم؟

السيد الوزير…

انت لا يمكنك أن تجهل أو تنكر هذا...فقد كنت تعمل لدى الهارب...ولا أدري بالضبط ماهي مسؤولياتك في تنفيذ كل هذا... فاستحقاق العدالة الإنتقالية قد وقع التلاعب فيه ممن لم تكن مصلحتهم سوى في السلطة ومنافعها...وانتهكوا استحقاقات الثورة…

ولكني انبهك كذلك…

فأنت في الأساس تبقى مواطن مثلي ومثل بقية أفراد الشعب التونسي...والمسؤوليات كلها مؤقتة...(كما يقال: ما يدوم كان وجه ربي...وأضيف التاريخ لا يرحم…(

انبهك أيضا...وفي الحقيقة أذكرك... ان الاستبداد يبتدئ دائما بقمع حرية الصحافة وحرية التعبير وتلفيق القضايا ضد الخصوم السياسيين...ثم يتعدى للفضاعات المختلفة ضد الحرمات الجسدية وحريات المواطنين كوسيلة حكم…

و اذكرك أن بن علي مرّ من هناك... هكذا أسس ونظامه في بداية التسعينات من القرن الماضي... ومن تواطئ معه في المرحلة الأولى انقلب عليه بعد أن انقلب عليهم...فلا تثق في من يشجعونك على انتهاك الحريات…

فهؤلاء اول من سينفضوا من حولك...ويحملونك وحدك المسؤولية..ففي الطبقة السياسية والطبقة الإعلامية اليوم الكثير من هذه المشاتل التي تصب يوميا الزيت على النار...وقد كانوا يتظاهروا بأنهم أكبر الأوفياء لبن علي....ولما هرب أصبحوا يتظاهرون بأنهم من أشرس أعداء ويكيلون له التهم فيما اقترفه وحت فيما لم يفعله....

المفروض أنك لا تجهل هذا...وإن فاتتك الأمور يمكنك مراجعة أرشيف الوزارة…

وانبهك أخيرا ان الدستور لا يعطي حصانة للوزراء أثناء مباشرتهم لمهامهم...وأن الوضع السياسي متغير...وان في تونس ما بعد الثورة انتخابات دورية...وأن لها قضاء يسير ولو بتعثرات بفعل قوى الجذب للوراء نحو استقلاله كسلطة قضائية ثالثة...وأن السيادة أصبحت عند الشعب وانتزعت من الحاكم الفردي…

هذا غيض من فيض…

فإما أن تكون في خدمة الدستور...كما يفعل المسؤولين الذين يحترمون شعوبهم في الدول الديمقراطية...أو أن تكون في خدمة حاكم فردي مدى الحياة لم يعد موجودا في تونس بعد الثورة...ولن يوجد…

هنا تونس...وهناك فيها شعب ذكي آمن بحريته وضحى بشهداء وجرحى من أجلها...وحقه في النضال من أجل حقوقه لن يستطيع أي مستبد...مهما كان...مواجهته…

وهو الفيصل...وهو يمهل ولا يهمل…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات