قد لا تكون كلمة إرهاب من الدقة الكافية للدلالة على سلوك جماعات القتل وأيديولوجياتها. فالفعل العربي «أرهبَ» يعني «أخافَ وأفزعَ»، ولا تشير إلى «قتلَ واحتلَ وسفكَ»، ولا إلى الأيديولوجيا التي تدعو إلى ذلك. أما وأن اللغة تواضع بين الناس، فصار الإرهاب معناه القتل والاغتيال وسفك الدماء والاحتلال وزعزعة الأمن والسلم الأهلي والخطاب الذي يقف وراء هذا كله، فلا بأس من استخدام كلمة الإرهاب بالرغم من عدم دقة أصل معناها اللغوي للتعبير عما سبق.
وزيادة في الدقة والإيضاح يجب رصد الوقائع والحالات التي يشملها الإرهاب كي لا يصير الإرهاب حالة نسبية. إذ نجد إرهابياً يصف الآخرين بالإرهابيين، وهو إذ يصفهم بذلك فإنه عملياً يسلب هذه الصفة عن نفسه. وبالتالي يجب ألا تدخل النسبية على حال الإرهاب أبداً وإلا تركنا للإرهابيين فرصة التنكر له، وإخراج بعض حالات من الإرهاب التي يدعمونها وتحلو لهم من مفهوم الإرهاب.
دعونا نقل: كل تنظيم سياسي متعصب عنصرياً ودينياً، وينفي حق الآخر بالوجود والتفكير، ويمتلك قوة مسلحة للقتل والاغتيال، ويزعزع السلم الأهلي رغبة في الاستيلاء على السلطة، ويستند إلى أيديولوجيا نافية للآخر، هو تنظيم إرهابي.
ولهذا فجميع الحركات التعصبية العنفية الدينية: الشيعية والسنية واليهودية والمسيحية والسيخية الخ هي حركات إرهابية بامتياز. لأنها جميعها تنفي الآخر انطلاقاً من تعصب ديني، وتحول الدين تبريراً لسلوك مناهض ومخالف لجوهر الدين وقوله الآمر الصريح: لا تقتل.
كل أيديولوجيا قومية تزرع الكره في نفوس أبناء قوميتها ضد أبناء قومية أخرى، وتعلن عن خطاب تفوق عنصري، وتمارس التفوق العنصري سلوكاً عنفياً، سواء كان العنف خطاباً أو ممارسة عملية، هي أيديولوجيا إرهابية.
كل سلطة سياسية حاكمة، لا تحوز على إجماع وطني -شعبي، وناتجة عن عقد اجتماعي، وتسعى للاستمرار في الحكم عن طريق سجن الناس وقتلهم واغتيالهم واضطهادهم جسدياً وفكرياً هي سلطة إرهابية.
كل دولة تحتل أراضي الغير بالقوة المسلحة وتستولي على ثرواتها وتهدد أمن الدولة المحتلة أرضها واستقرارها هي دولة إرهابية.
إذاً الإرهاب مفهوم لا نسبية فيه، حتى لا نسمح بأن يطل علينا إرهابي يقول بأنه يقاتل الإرهاب، الصراع بين الإرهابيين صراع مدمر للحياة. لا ينتج عن القتال بين الإرهابيين إلا الإرهاب. نقيض الإرهاب ليس إرهاباً آخر، نقيض الإرهاب: الحب والتسامح والقانون والنزعة الإنسانية والاعتراف بالحق.
والإرهاب كظاهرة عالمية يجب أن يقاوم بجبهة عالمية، والصراع مع الإرهاب ليس صراعاً مادياً فحسب، وإنما هو صراع كلي مادي وثقافي -فكري، وإنتاج نمط من الحياة يعزز حب الحياة. أجل إن حب الحياة أهم سلاح في مواجهة الإرهاب، لأن الإرهاب، في نهاية الأمر، هو حب الموت.
وبالتفاصيل نقول: الإرهابي هو كل من انتسب إلى تنظيم إرهابي بالمعنى الذي أشرت إليه والتزم بإرهاب التنظيم ومارسه. وكل من قتل مدنيين بدافع الثأر الأيديولوجي والسياسي والديني والسيطرة والتسلط، وكل من أطلق النار على متظاهرين عزل، وكل من قتل مدنياً باسم الجهاد، أو باسم الانتقام الديني والقومي وما شابه، وكل من قتل السكان الآمنين باسم الوطن، وكل من حاصر مدينة أو قرية وجوّع أهليها، وكل من سجن بريئاً وقتل سجيناً تعذيباً، وكل من ألقى قذائف عشوائية أو غير عشوائية على السكان الآمنين، كل من جند أطفالاً وزج بهم في أتون الموت، وكل من صاغ أيديولوجيا قتل.
بقي أن نقول: كل من يدعم حالة من الحالات الآنفة الذكر دعماً معنوياً وسياسياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً، وكل من له مصلحة بوجود هذا الإرهاب فهو إرهابي.