المطالبة بحق مهما كان...لا يجب ان ينتهك حق آخر للغير... من المواطنين... عندها يصبح انتهاك واعتداء...لا يختلف عن الإنتهاكات الأخرى...ومهما كانت الجهة التي تقترفه... هذا تؤكد عليه كل اتفاقية لحقوق الإنسان...ولا تنازل عليه.... ويؤكد عليه الدستور التونسي أيضا…
فمثلا...حق الإضراب مضمون لكل من يشتغل في مؤسسة...للدفاع عن حقوقه...ولكن ليس من حقه أن يصد عن العمل من يرفض المشاركة في الإضراب... وحق الشغل حق طبيعي لكل مواطن تونسي...وهو مكفول بالدستور ولكن ليس من حق من يطالب به...منع من يشتغل من ممارسة حقه في الشغل... فهذا لما يحصل هو انتهاك لحقوق غيره....
هذا إضافة إلى أن الدستور كرس حق آخر…حق عصري جديد….هو حق الجهات المحرومة من التنمية…في التمييز الإيجابي من أجل التنمية والتشغيل…لتكريس مبدأ المساواة بين المواطنين… وهذا لتدارك ما فاتهم بسبب الممارسات المشينة لمن حكمونا طيلة عقود…الذين ميزوا المواطنين والجهات على أسس جهوية مقيتة…ولا إنسانية…فجوعوا جهات مع أغلبية مواطنيها…وكل من تجول في تونس يعرف هذا….
انتهكوا حقوقهم بكل وقاحة مستعملين سلطة الدولة والقانون وحتى القمع والفساد….
ما يحصل منذ سنين في الحوض المنجمي…لا يخرج عن هذه الفضاعات انتهاكات تاريخية متنوعة…صارخة… متواصلة لحد الآن…للحقوق الحياتية للمواطنين…وخرق للدستور…من المفروض أن يندى له جبين هؤلاء المسؤولين عنه…ومن يروجون لهم إلى الآن…من أبواق دعاية خسيسة…فهؤلاء هم المجرمون الحقيقيون…
ما العمل اليوم؟
على الحكومة الابتعاد عن الزيارات والخطب الاستعراضية… عليها إيجاد الحلول العاجلة والناجعة ضد الفساد في الانتدابات ونقل الفوسفاط…والمحسوبية والرشوة…إلخ… عليها تطبيق حق التمييز الإيجابي المضمون بالدستور… عليها إبعاد كل من تحوم حوله شبهات فساد عن المسؤولية…وإحالته على القضاء ومصادرة مكتسباته لما يتوفر ملف لديها…إلخ…
عليها ان تحيل أيضا على القضاء كل من يتدخل لفائدة هؤلاء لتمكينهم من مواصلة أفعالهم او الإفلات من القضاء…كشركاء في تلك الجرائم…إلخ.. فلها الترسانة القانونية الواسعة والشاسعة والأجهزة المختلفة لذلك…
على الأحزاب الحاكمة الابتعاد عن هؤلاء الفاسدين الذين خربوا المنطقة والكف عن حمايتهم والتدخل لصالحهم…والكف عن الكذب والإدعاء بأن أزمة الحوض المنجمي تكمن فقط في الاعتصامات…والحال أنها نتيجة "ميكانيكية" للفساد الذي ينخر المنطقة ولعقود من اللامساواة والتمييز بين الجهات وبين المواطنين…
على المعارضة وخاصة تلك التي هي مع العدالة الإجتماعية… أن تقلع عن الخطب الرنانة للتنديد فقط بالحيف الإجتماعي الذي لا ينكره أحدا…وان تقلع عن موقف اللاموقف المؤسس على المجاملات غير المبدئية…لمحاولة الكسب من الجهتين في نفس الوقت… من المعتصمين المُعَطِلين للإنتاج ومن الاجراء الممنوعين عن العمل…حتى ترجع دورة الإنتاج…
فهذا غير مبدئي ولن يجدي نفعا…ولا فائدة من تقديم الأدلة على ذلك…فهي مشاعة…. وعليها أن تكون واضحة مع المعتصمين الذين يعطلون دورة الإنتاج وينتهكون حقوق غيرهم من المواطنين الذي يقتاتون منه…
عليها ان تقول لهم ان من حقهم الدفاع عن حقهم في الشغل…ولكن فقط بالوسائل التي لا تضر بحقوق غيرهم من المواطنين… وأساسا عليها تقدم بديل اقتصادي واجتماعي جدي للأهالي…استنادا على المعطيات والملفات…وعلى مبادئ الدستور…
ولمن لا يعلم….فهي لها كل ذلك…إضافة للخبراء القادرين على انجازه…
هكذا تبين لهؤلاء الأهالي أنها قادرة على أن تنفعهم ولا فقط أن تواسيهم… اكيد ان للمواساة قيمة معنوية عالية… ولكنها لا توفر الخبز….الذي بدونه لا وجود للكرامة…
ملاحظة: هذا الموضوع وضع على جدول أعمال رابطة حقوق الإنسان منذ أحداث الحوض المنجمي في 2008 …ثم إثر الثورة مباشرة….لأن له علاقة مباشرة بكل الحقوق في نفس الوقت…الحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية…
وإلى حد هذا التاريخ لم أرى شخصيا وجود عزيمة سياسية من طرف كل من تداولوا على السلطة…لفضه جذريا… ولم أرى برنامج جدي من المعارضة التي تؤمن بالعدالة الاجتماعية يقنع الأهالي ويتجندون لفرضه…
لم أرى سوى الحلول المسكنة الوقتية… والتجاذبات….والحسابات…والعنتريات…
فإلى متى يا أكارم؟