وانتقاد "كثرة" الأحزاب، أفكار موروثة من دعاية حكم الاستبداد…
لا يؤمن بحرية التنظيم ويقمعهما إلا المستبد... ففي كل مجتمع طبقات وفئات اجتماعية لها مصالح متناقضة و هناك حتى مصالح متضاربة في بعض نفس الطبقات او الفئات الإجتماعية...تحملها ايديولوجيات وبرامج سياسية متنوعة ومختلفة…
وتعمل جميعها كل من جهتها على تمرير مصالحها عن طريق السلطة التي تتحكم في جهاز الدولة... ويكون ذلك أساسا في الدول الديمقراطية عن طريق التنظم في أحزاب تعمل للفوز بالسلطة او المشاركة فيها…
وهو حق طبيعي لكل مواطن، ولا لنوع معين من المواطنين الثقفوت الذين ينصبون أنفسهم قادة لرعية، لأن أصل الأمور في المجتمع الديمقراطي، أنه لا توجد رعية وإنما مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات…
والمواطن الناخب، الذي يمتلك جزء من السيادة الشعبية، هو صاحب الحق وحده دون سواه، في أن يقرر من من تلك الأحزاب يوكلها للدفاع عن مصالحه...وله أن يغير رأيه لما تغالطه او تفشل...
أما في الدول الاستبدادية والشمولية فتنفرد إحدى الطبقات بالتمثيل الحزبي، وتقمع ممثلي الطبقات والفئات الأخرى، ويذهب الأمر حتى بالحزب الذي فاز بالسلطة أن يقمع بقية الأحزاب التي تمثل طبقته، للانفراد بالسلطة، أو يفرض عليها الإنضمام إلى جبهة يقودها...وإلا فالتعذيب والمحاكمات السياسية تنتظرها، ويؤسس هكذا نظام حكم الحزب الواحد والحكم الفردي…
وقد عاشت تونس قبل الثورة مثل هذا الحكم، ولكن أيضا كل البلادان العربية التي تكونت فيها أحزاب ناضلت ضد الإستعمار وبعده...بدون استثناء...مهما كانت سياسة تلك الدول...وهذا موضوع آخر لا يجب التذرع به...ومن يفعل للتدليل بأن نظام حزب واحد مستبد هذا او ذاك قام بإنجازات...فهو للمغالطة لا غير...وهو يُنظر للاستبداد بالتعلل بالانجازات…
في تونس بعد الثورة، ولما فرضت حرية تكوين الأحزاب، تكونت بضع مئات من الأحزاب، وكنت شخصيا أتوقع أن يكون العدد أكثر بسبب عقود كثيره من قمع حرية التنظيم الحزبي واشتياق المواطنين للعمل السياسي الحر، ولأن بلدان الإنتقال الديمقراطي التي عاشت الاستبداد تكونت فيها أحزاب أكثر...ولأن البلدان الديمقراطية فيها الآلاف من الأحزاب المصرح بها التي لها الشخصية القانونية التي تمكن الحزب من القيام بشؤونه الإدارية كحزب، والأحزاب الغير المصرح بها، ولكنها لها نفس الحرية في النشاط بدون ان تكون لها الشخصية القانونية ويتولى أعضاءها شؤونها الإدارية باسمائم الشخصية…
وتحصل دائما غربلة بين كل تلك الأحزاب من طرف المواطنين الناخبين أصحاب السيادة، فتبرز بعض الأحزاب في قيادة الساحة السياسية وفي المعارضة، أما الباقي، ولأنها فشلت في كسب ثقة المواطن الناخب (وهنا مربط الفرس وهو من مسؤولياتها دون سواها)، فإما أنها تندثر رويدا رويدا أو أنها تبقى تحاول الصعود في نيل ثقة المواطن الناخب...وتبقى جلها غير معروفة من عموم المواطنين…
هذا إضافة للأحزاب الجديدة التي تتأسس بدون انقطاع في الواقع الديمقراطي...وبعضها فقط يُعرف من طرف عموم المواطنين…
ولذلك كلما أقرأ لأحد المتحزبين تذمرا من كثرة الأحزاب في تونس بعد الثورة... استنتج أنه إما يتعلل عن قناعة أو للتضليل بأفكار مستوردة من حكم الاستبداد للدفاع عن حظوظ حزبه على حساب مبادئ حقوق الإنسان وحقوق غيره من المواطنين واستحقاقات الدولة الديمقراطية... او للتغطية على فشل حزبه وفشله في كسب ثقة المواطن الناخب...او الإثنين معا…