السياسي هو المحدد...والتنظيم الجماهيري الديمقراطي مجرد أداة...والسلطة هي المهمة المركزية..

Photo

تحصل نقاشات الآن....في أماكن ومواقع متعددة...حول أسباب فشل اليسار في الوصول للسلطة رغم مرور أكثر من سبعة سنين على الثورة...ورغم مشاركته فيها...واستحواذ اليمين الذي أغلبه ينحو نحو إرجاع الاستبداد بأشكال متنوعة...على السلطة وجهاز الدولة منذ الثورة…

لن أخوض هنا في تقييم او في تقديم مقترحات...ولكني أرى من الواجب أولا التأكيد على بعض المنطلقات التي بدونها لن يسلم أي تقييم في رأيي...ولن تسلم أية مقترحات من اجترار الفشل مرة أخرى…

وأولها ان السياسي الذي تفرضه المرحلة التاريخية من تاريخ الشعوب هو المحدد... هذا يعني ان هناك تناقض رئيسي في كل مجتمع وفي تونس اليوم... وفيه طرفي صراع...وتتموقع مختلف القوى السياسية في احداهما...وتتحالف مع بعضها إن كانت في نفس الجهة من الصراع لتنفيذ برنامجها المشترك...ولو كانت بينها تناقضات جوهرية ولكنها تبقى ثانوية...وهذا ما فعله اليمين الحاكم في تونس...وينفذه خصوصا منذ انتخابات 2014...وكأنه فهم أدوات تحليلنا التي لم نطبقها...فطبقها...ضد الطرف الذي يطالب ببناء دولة ديمقراطية اجتماعية شعبية...شعبية بمفهوم المواطنية…

ثانيها ان التنظيم أداة للسياسي…يعني أنه مجرد وسيلة لتحقيق البرنامج…وليس هدف في حد ذاته… هو ليس مقدس ولم يكن أبدا لدى اليسار في العالم إلا لدى البعض الذين انغمسوا في الممارسات الانعزالية… وهو أداة يجب أن تتغير وتتأقلم حسب الحاجة والظرف…وعندما تتكلس تصبح غير صالحة لتحقيق البرنامج…بل وحتى تعرقله….

ومن يقدس الأداة بشكل أو بآخر…على حساب ما يفرضه الواقع السياسي الموضوعي…فهو يضيع البوصلة ويعرقل تحقيق البرنامج…ويندثر رويدا رويدا…وفي العالم اليوم الكثير من هذه المشاتل المندثرة اجتماعيا وسياسيا في محيطها…

ومن الغريب أن أقرأ هنا وهناك…ان اليسار ليتوحد في حزب…تلزمه وحدة ايديولوجية…بدون توضيح هذه الأيديولوجيا او حتى بعض عناصرها…

هل لا يعلمون أن الماركسيين من جهة…والقوميين من جهة أخرى… لم يختلفوا كل فيما يخصه…على فكر وإنما اختلف اقطابهم تاريخيا في الأصل على سياسات وتكتيكات…و دافعوا على مصالح دولهم لما كانوا في السلطة ضد بعضهم…ونظروا لها ولتناقضاتهم السياسية والتكتيكية…في عصرهم… وبقينا نحن عاجزين عن التنظير في استحقاقات عصرنا ومجتمعنا…بل بقينا منذ عقود نردد مقولاتهم…خارجا عن سياقه التاريخي والمكاني….؟؟؟؟

وبنينا تنظيمات متناحرة مؤسسة اساسا على خلافاتهم السياسية، في بلدانهم…وانقسمنا لملل ونحل…وعجزنا على بناء تنظيمات جماهيرية قوية، كما فعلوا هم في بلدانهم، لنواجه بها الاستبداد معا…وخصوصا واصلنا بعد الثورة على نفس المنوال…ففشلنا معا…

اما هذه الأداة التنظيمية في عصرنا الحاضر فهي الحزب السياسي اليساري الجماهيري الديمقراطي… أو جبهة أحزاب سياسية جماهيرية ديمقراطية…ان كانت موجودة احزاب جماهيرية من هذا النوع…وهي غير موجودة.. بما يعني أنها مؤسسة على علاقات ديموقراطية داخلية، يعين فيها المسؤولين في كل هياكلها من القاعدة للقمة…بالانتخاب دون سواه…

وهذا وحده الذي يمكنها من ان تنتشر في الأرض دون سواه…لأن كل مناضل وكل منخرط له الحق مثل غيره وعلى نفس قدم المساواة مع الآخرين مهما كانوا… في ان يتحمل المسؤولية ان رغب في ذلك…والقواعد وحدها تقرر من يمثلها…عن طريق الاقتراع السري على الاشخاص والتصويت العلني على المواقف…

وبالطبع فإن مبدأ التناصف في المسؤوليات…هي الأصل ويجب أن تطبق بحذافيرها…فهل يجب التذكير مرة اخرى أن هذا من مبادئ اليسار وهوية التاريخية؟…ام هل يجب الاقتياد بالممارسات المتخلفة التي تخللت مسيرته التاريخية… وكذلك فإن دور الشباب اليوم هو حجر الزاوية لتثوير الواقع التنظيمي المتردي…فهو الذي يقود النضال في الميادين، وراكم تجارب سياسية كثيرة ومتنوعة قبل الثورة وبعدها…وهو المستقبل….

هذا هو شكل التنظيم اليوم الذي يمكن له الانتشار في الأرض…ليمكن له…بعث الامل لدى عموم الشعب في التغيير… حتى يأمل مناضلوه عندئذ قلب موازين القوى…على القوى اليمينية… يأملون فقط…لأن الشعب هو صاحب السيادة وهو الأصل والفصل دون سواه…وان لم يعطهم ثقته فهذا يعني أنهم قاموا بأخطاء عليهم إصلاحها وتجاوزها قبل إعادة الكرة معه…

وهذه الاداة يجب لتحدث التغيير…أن تتوفر على آلاف المناضلين وعشرات الآلاف من المنخرطين حتى تكون قوة سياسية…وانتخابية….وهم موجودون…ولكنهم مشتتون ومستاءون… وهذين الفرضيتين (حزب أو جبهة جماهيريبن) لم تتوفرا في تونس بعد الثورة…ولذلك فشل اليسار…في كل مرة….واستحوذ اليمين على السلطة…ويواصل…وسيواصل ان بقيت دارنا على حالها…

ثالثها ان قضية افتكاك السلطة من اليمين الحاكم…هي القضية المركزية اليوم…ومنذ الثورة… ولكن الأطراف التي كانت في القالب الآخر من الصراع…فشلت مرارا فشلا ذريعا في هذه المهمة التاريخية الملقاة على عاتقها…وترفض إلى اليوم القيام بتقييم جدي لأسباب فشلها…والحال أنها واجهت الاستبداد طيلة عقود وشاركت في الثورة في موقع متقدم…وفرضت شعاراتها ومطالبها فيها…

وطالما أن هناك إنتخابات فيها جانب كبير من الحرية والشفافية بفضل الثورة التي ضحينا من أجلها جميعا…وهو مكسب للشعب ضد الاستبداد…فإن ذلك التغيير سيكون عن طريق الإنتخابات…طالما حافظنا على هذا المكسب…. وهذا يجب قوله والإفصاح به علنا للشعب…ولا ممارسته لكسب بعض المواقع… ومواصلة تسويق خطاب ثورجي في نفس الوقت…واجترار خطاب مزدوج…يبعث الغموض في الأذهان…

هذه في نظري منطلقات أولية…إن اختلفنا فيها سيكون من الصعب كثيرا الاتفاق على تقييم الماضي…وخصوصا الاتفاق، وهذا هو ألمحدد، على المقترحات والتخطيط للمستقبل….

وهذا حسب علمي ومواكبتي… ما طرحناه من منطلقات نحن غير المنظوين في أحزاب، في نقاش تأسيس الجبهة…وخصوصا في اتجاه تأسيس الحزب اليساري الكبير…في أقرب وقت ممكن.. ولكن جرت الرياح بما قررته الرياح الانعزالية المتخاصمة معها….

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات