بعد التصويت على القانون الأساسي المتعلق بالجماعات المحلية التي أصبحت لها لأول مرة صلاحيات تدبير حر فعلية منذ الإستقلال... وبعد إجراء أول انتخابات بلدية حرة وديمقراطية في تاريخ تونس وإعلان النتائج النهائية من طرف هيئة الإنتخابات...رغم قلة نسبة المشاركة... بقي لدى الكثير، منسوبا من الضبابية حول ما يمكن أن تفعله وأن تقدمه فعاليات المجتمع المدني في علاقة بالعمل البلدي نظرا وأن التجربة لم تنطلق فعليا بعد..
ورغم أن القائمات التي قدمها او شارك فيها نشطاء من المجتمع المدني تحصلت على المرتبة الأولى وطنيا من حيث عدد الأصوات والمقاعد... فإنه سيكون لمنظمات المجتمع المدني دور جديد في المشاركة في العمل البلدي ولو أنه دور نسبي... بتقديم المقترحات، ودور رقابي مهم على مختلف أعمال المجلس…
وللتذكير فإن طبيعة دور المجتمع المدني يتنزل في هذا التوجه العام، فهو ليس معارض وإنما هو سلطة مضادة وسلطة اقتراح للسلطة القائمة مهما كانت السلطة، لا تعاديها كخصم سياسي ولكن لا تجاملها أبدا...ولما تخرج عن هذا الدور تفقد استقلاليتها او جزء منها....
سنحاول تحسس بعض الصلاحيات والحقوق والمهام المناطة بفعاليات المجتمع انطلاقا مما تظمنه القانون الأساسي المذكور...فيما يتعلق بالتشاركية، والمراقبة، مع تخصيص جزء أخير لدور المجتمع المدني في الدوائر البلدية…
ويمكن أن يكون هذا مسودة أولية تساعد على إعداد دليل لفعاليات المجتمع المدني في التعامل مع المجالس البلدية المنتخبة...ومن يريد ذلك فليتوكل…
أولا: في الدور التشاركي
نص القانون الأساسي على أدوار تشاركية في العمل البلدي بالنسبة لجمعيات المجتمع المدني (الموجودة بمنطقة الدائرة البلدية والتي عليها تسجيل نفسها لدى الكاتب العام حتى تتمكن من التشارك)...وللمتساكنين (المواطنون من دافعي الضرائب لها)…
وأعطى القانون لهم بمقتضى الفصل (216) الحقوق التالية:
*حق الحضور في الجلسات التمهيدية للمجلس البلدي وحق تقديم مقترحاتهم…
وهذه الجلسات تنعقد وجوبا شهرا على الأقل قبل جلسة المجلس البلدي... والمقترحات تجمع وتدرس من طرف اللجان المختصة المنبثقة عن المجلس البلدي...التي تعرض ما يتراءى لها منها على الجلسة العادية للمجلس…
*المشاركة في أعمال اللجان البلدية (الفصل...212)
هي اللجان البلدية المختصة القارة وغير القارة التي يكونها المجلس البلدي من بين أعضاءه المنتخبين... ووظيفتها دراسة المشاريع وتقديم مقترحات وليست لها سلطة تقريرية... واللجان القارة لا تقل عن أربعة في كل مجلس بلدي...أما اللجان غير القارة فهي حسب الحاجة…
و«يمكن» للجنة أن تدعو للمشاركة في أعمالها المتساكنين ومكونات المجتمع المدني...وكل شخص يمكن أن يفيد برأيه بحكم نشاطه أو خبرته…
مما يعني أن المبدأ هو أن المشاركة في أعمال اللجان ليست وجوبية وهي متروكة لحاجة اللجان ولقراراتها... عندما ترتئي في ذلك مصلحة... ولكن هناك إستثناء...يتعلق بمجال التهيئة الترابية والتعمير...(الفصل 119 )…
أرسى هذا الفصل مبدأ عاما يتعلق بجميع الجماعات المحلية (مجالس بلدية وجهوية وأقاليم )..
وقد نص على «وجوبية» الاعتماد على التشاركية في إعداد مشاريع التهيئة الترابية والتعمير والتنمية المستدامة...طبقا لما تضبطه مجالسها من آليات تشريك المتساكنين ومنظمات المجتمع المدني «فعليا» و«دعوتهم» للمساهمة في «وضع» التصورات «وتحديد» الاختيارات «الكبرى» للتهيئة واستنباط الصيغ العملية لإعداد أمثلة التهيئة و«متابعة» تنفيذها…
وتنزيل هذا المبدأ العام على اللجان البلدية القارة وغير القارة المختصة في الموضوع...يلزمها بوجوبية التشاركية فيه…
وستكون هناك خلافات ومشاكل في تقدير وتطبيق هذه «الوجوبية»...تتعلق بنوعية المشاركة على مستوى اللجان المتخصصة في موضوع التهيئة المذكورة... ستصل حتما للقضاء...لِما للموضوع من أهمية...نظرا للمصالح العقارية والتجارية المتضاربة وغيرها... التي يمكن أن تتخفى وراءها...وما يمكن أن تطال هذه المصالح من شبهات بعدم الشفافية والمحسوبية...إلخ..
(يتبع فيما يتعلق بالدور الرقابي…والعلاقة مع الدوائر البلدية.. )