في العالم الشعوب التي انتقلت من نظام الحكم الفردي الاستبدادي...إلى نظام ديمقراطي...اختارت معظمها النظام البرلماني...لماذا؟
لأن في تلك البلدان لا توجد تقاليد ديمقراطية، والطبقة السياسية تكونت كلها تحت الاستبداد، وبعقليته..وهذه العقلية تفرمت بها حتى جزء من المعارضة للاستبداد... (كما حصل في تونس مثلا عندما دافع نجيب الشابي والمرزوقي على النظام الرئاسي)…
وكذلك لأن عقود من الحكم الفردي جعلت المناضلين ضد الاستبداد والمهتمين بالشأن السياسي، لا يثقون في حكم الزعيم الفردي مهما كان ذلك الفرد، وإنما بحكم المجموعة، حتى لا يستأثر فرد بالحكم، تحت اي مسوغ كان، فينحرف بالسلطة لخاصته وحاشيته.... ويجب لذلك إعمال مبدأي التفريق بين السلطات... وتوزيع السلطة التنفيذية بين سلطات متعددة ولكل واحدة منها في مجال اختصاصها صلاحيات فعلية لإيقاف جور الأخرى…
وكذلك لحماية الديمقراطية الناشئة المؤسسة على ان الشعب هو صاحب السيادة، وليس الفرد ممثله، الذي ان أعطيت له صلاحيات كبيرة فلا يستطيع أن يوقفه أي كان لما لا تكون هناك سلطات مضادة تمنعه...(ولو حصل ذلك في تونس لكان التوريث الآن من قبيل الأمر الواقع)…
ولأن بلاد في طور الانتقال الديمقراطي، ولا تزال معظم طبقتها السياسية ومعظم نخبها.... يعني قياداتها السياسية والفكرية والإعلامية... التي تفرمتت على الحكم الفردي...لا تزال في السنوات الأولى من ممارسة الديمقراطية... وهي تتحسسها الآن فقط في تونس...لا تؤتمن على حماية النظام الديمقراطي من الانحراف به للاستبداد...كما حصل في مصر بالنظام الرئاسي...
وهذا ان كانت تلك النخب مؤمنة بالديمقراطية...أما البقية وهي الأكثرية منها فهي غير ديمقراطية وخطر دائم عليها... وهي تحن لحكم الزعيم الفردي المستبد الذي يقضي على الحرية (كما حصل في مصر)...ولا تستحي أحيانا من الجهر به...خصوصا بعد تضائل المد الثوري...كما يحدث الآن في تونس..
فتلك البلاد لن تكون "ملقحة" نسبيا... وفي مأمن من رجوع الحكم الفردي بسرعة.. . إلا بالنظام البرلماني رغم مشقته وصعوبته…
وهذا النظام إيجابي من جهة أخرى... لأنه يكشف على حقيقة الطبقة السياسية من منظومة حكم وحتى من بعض المعارضات.... لأنه يعطي صورة حقيقية للناخب صاحب السيادة عمن انتخبه... وقد تبين ذلك في الإنتخابات البلدية...بعزوفه عنهم...
وما يحصل في تونس الآن من دعوات من جهات مختلفة لتعزيز سلطات الباي الجديد خير دليل على ذلك...لأنها لم تأت من القصر فقط وإنما أيضا من أوساط مختلفة...وحتى من بعض المعارضة الحالية...وخصوصا تلك التي لم تناضل ضد الاستبداد ولم تكتوى بناره... او تلك التي لا تؤمن بالعمل الجماعي وإنما بعقلية الزعيم صانع التاريخ...ولا الشعوب..
النظام البرلماني يا اكارم في هذه الحقبة من تاريخنا…رغم مساوئه …هو الذي في فترة الانتقال الديمقراطي يعطي ضمانة لعدم رجوع الحكم الفردي الاستبدادي.. وانتصابه لعقود اخرى…
ما أقرأه لبعضهم…من الديمقراطيين…حول الموضوع يتسم بالعفوية أو الارتجالية او قصر النظر…
أما من غير الديمقراطيين فلا يسعني إلا القول أنه لا ينفع العقار فيما أفسده الدهر…فيهم…