الواجهة الاقتصادية
في المقال الاخير ونحن في معرض الحديث عن الواجهة الاقتصادية للعولمة ذكرنا كيف أن الشركات متعددة الجنسيات هي الذراع المخيف الذي تستعمله الدول العظمى تحت عنوان العولمة الاقتصادية لترهب الدول الضعيفة والأخرى النامية أو في طريق النمو…
والآن نتعرض في هذا المقال الى ذراع أخرى أكثر إرهابا للأمم وهو صندوق النقد الدولي وما ادراك ما صندوق النقد الدولي.
لا يخفى على أحد أن هذا الصندوق رغم أنه في بداياته ظهر كيد رحيمة تمتد إلى الدول للمساعدة أو المعاضدة في النمو الاقتصادي والاستثمار إلا أنه بدأ يكشر عن أنيابه اخيرا بخشر أنفه في السياسات الإقليمية الاقتصادية للدول واصبح يتدخل في الصغيرة والكبيرة ضمن حزمة من الإصلاحات أو ما سمي كذلك..
فهو تارة يفرض على الدول نسبة الفائض وتارة أخرى ينصحها برفع نسب الضرائب وطورا يشرط عليها ايقاف الانتدابات في الميدان العمومي والمرور الى خوصصة الكثير من المؤسسات العمومية تحت غطاء تحسين الأداء والانتاج وهو يرمي بذلك إلى إفراغ الدولة من نفوذها بتخليها عن مهامها الأساسية وساعد على ذلك وجود طبقة سياسية حاكمة فاسدة أو متعاملة مع الفساد لا يهم أصحابها الا البيع وقبض الثمن في غفلة من شعوب تائهة غير فارضة لسلطتها.. ثم ينصح النقد الدولي بعدم رفع الأجور تحت عنوان مخافة التضخم المالي..
هو في الحقيقة يحشر أنفه في الشقيقة والرقيقة وأصبح بعد ثورات الربيع العربي المزيفة يدلي برايه بنفوذ اكبر يرتقي إلى مستوى الأمر ويختار بنفسه منفذي سياساته .. ولا يخفى علينا أن اللوبي اليهودي يسيطر على مجال المال والاعمال في عالمنا اليوم فاذن ابسط الناس يمكن أن يستنتج أن سياسات النقد الدولي لن تكون في صالح البلدان المقترضة بل ضربا قاتلا لها وجعلها تابعة ….وتمرير ما يشاؤون فيما بعد على مستويات أخرى…
يتناقض الحديث عن حقوق الإنسان والحرية الاقتصادية مع المبادئ الأساسية التي وُجد من أجلها صندوق النقد والبنك الدوليين، في ظل دعم الديكتاتوريات وتعزيز تفرُّد السلطات بالدول النامية بما يخدم استمرار ولاء تلك الدول للقوى العظمى.
الخبير الاقتصادي والمحامي الأمريكي ألفريد دي زاياس، أكد سابقاً أن سياسات صندوق النقد الدولي تتعارض مع حقوق الإنسان، ودعا لإعادة النظر في سياسته المتناقضة.
وقال دي زاياس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أكتوبر الماضي، إنه يجب على القائمين على تلك المنظمة ألا يتجاهلوا حقوق الإنسان عند منح القروض، وأن يتم التعامل فقط مع الدول التي تفي بالتزاماتها على صعيد التنمية واحترام الحقوق.
لم تستهدف سياسات صندوق النقد الدولي تصحيح الاختلالات المالية في موازين المدفوعات بقدر ما تستهدف فرض حزمة كاملة من الإجراءات المالية والنقدية والاقتصادية التي تعبر عن رؤية المدرسة الاقتصادية النيوليبرالية والعولمة الرأسمالية، واهمها: تحرير أسواق المال والتجارة، وازاله الحواجز لانسياب السلع والتدفقات النقدية، وتقليص الخدمات الحكومية، ووقف الدعم، وتطبيق سياسة التخاصية لتوسيع السوق الرأسمالي وتأمين فرص أرحب للاحتكارات الرأسمالية.
وكان للأردن ولبنان ومصر وغيرهما من البلدان العربية تجربة مريرة في هذا المجال، فقد أسهمت توصيات واملاءات صندوق النقد الدولي في تعميق الازمات المالية والاقتصادية. وحتى النتائج البائسة التي حققتها بعض "البرامج النيوليبرالية" بتخفيض متواضع في موازين المدفوعات فهي مؤقتة لا تحقق تنمية مستدامة، وتأتي على حساب العمال والشرائح الوسطى في المجتمع، كونها ناجمة عن فرض الضرائب والرسوم الجائرة، خصوصا الضريبة العامة على المبيعات والضريبة الخاصة وغيره من الضرائب غير المباشرة، التي يتحمل عبئها الفقراء.
فقد لجأت الحكومات الى تقليص الانفاق على الخدمات العامة وخفض عائدات الطبقة العاملة من الإنتاج باسم "التصحيح الاقتصادي" والتي تعتبر السياسة المالية والضريبية اهم أدواتها، ما أحدث تبدلات ملموسة في التركيبة الاجتماعية باتساع طبقة الفقراء واضمحلال الطبقة الوسطى، وتركيز الثروة بين ايدي الطبقة الطفيلية، اما نتائج برامج الصندوق فقد اغرقت البلدان العربية بالأزمات.
فعلى سبيل المثال مضى على خضوع الاقتصاد الاردني لوصفات الصندوق نحو ثلاثة عقود فمنذ العام 1989 وبعد وانهيار سعر صرف الدينار امام العملات الاجنبية، نفذ الأردن 6 برامج خلال الفترة 1989-2004، لم تفضِ هذه البرامج لنتائج إيجابية، بل أوصلت الاقتصاد الأردني الى حافة الهاوية، وهو في وضع لا يقل سوءا عما كان عليه العام 1989؛ فنحو ثلث نفقات الدولة يأتي من الخارج على شكل هبات وقروض، وقفزت المديونية الى اربعة اضعاف ما كانت عليه العام 89 ، وبنسبة لا تقل عن 96 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل فوائد المديونية نحو13 % من النفقات الجارية، وهي تلاحق الفقراء على خبز أطفالهم الذي يعتبر قوتهم اليومي.
وتقف عاجزة عن تنظيم سوق العمل الذي يعاني من الفوضى في ظل غياب البرامج والخطط للمواءمة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل، وتوفير فرص عمل للعمال الأردنيين بعد ما وصلت نسبة البطالة الى 18 % وارتفعت نسبتها بين الشباب الى 33.7 % في الوقت الذي أغرق سوق العمل بأكثر من مليون عامل وافد.
في لبنان، يتوقع صندوق النقد الدولي بقاء النمو الاقتصادي ضعيفا في العام الحالي 2017، والاختلالات الخارجية ما تزال واسعة للغاية. ويعتبر العجز الكبير في الموازنة مصدرا للمخاطر الحقيقية، الذي افضى إلى بلوغ الدين العام نحو 148 % من إجمالي الناتج المحلي في العام 2016. وسوف تزداد النفقات العامة. وقد أقر مجلس النواب تدابير لزيادة الإيرادات مصممة لموازنة تمتص زيادة رواتب الموظفين التي أقرتها الحكومة، وقد علقت بسبب المعارضة الشديدة من قبل العمال اللبنانيين، الذين نظموا سلسلة من المسيرات والاعتصامات احتجاجا على السياسات الضريبية.
اما الوضع في مصر فليس أفضل حالا؛ فهي تعاني من خضوع لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي للحصول على مزيد من القروض بعد تدهور الوضع الاقتصادي بشكل غير مسبوق، فقد انهارت القيمة الشرائية للجنيه المصري، وتآكلت الأجور وارتفعت معدلات التضخم. وقد طالب الاقتصادي المعروف الدكتور أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام، بوقفة حاسمة لتغيير السياسات الاقتصادية، لافتا إلى أن المؤشرات الرئيسية تشير بشكل قاطع إلى تدهور الأداء بصورة تعبر عن مستوى كفاءة السياسات الاقتصادية الكلية والمالية والنقدية. وتصل نسبة البطالة في مصر بين الشباب نحو 39 %!
جاءت اعترافات صندوق النقد الدولي الأخيرة بأن السياسات التي اتبعت في هذه البلدان تسببت بتفاقم عدم المساواة في الدخول، محذرة بضرورة اتباع سياسات مالية لعلاج تلك المشكلة، بالتوسع في ضرائب الدخل التصاعدية والإنفاق على التعليم والصحة!
تصريحات إدارة الصندوق هذه تعري السياسات الاقتصادية العربية وتبعيتها المفرطة للإمبريالية، وتؤكد من جديد تخلي الامبريالية عن حلفائها بعد اغراقهم بأزمات كارثية. فقد طالب تقرير الصندوق بزيادة معدلات الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة!! بعدما كان محرما طرح مثل هذه السياسات، وقد أعلن مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور أنه يجب اعتماد الإجراءات الضريبية درجة من التصاعدية، وأن يتم تخفيف العبء على الشرائح الاجتماعية الأقل قدرة والشرائح الأكثر فقرا، من خلال عدم المس بحاجاتها الأساسية ومن خلال عدم زيادة العبء الضريبي عليها، خصوصا ما يتعلق بالرسوم التي تمس السلع الاساسية كالخبز وغيره من السلع!
التصريحات والمواقف الجديدة للصندوق لا تعبر عن صحوة ضمير، او تغيير جوهري في سياسات الصندوق، بقدر الشعور العام بحجم الاخطار السياسية التي أتبعها الصندوق تجاه البلدان النامية والتي أحدثت نتائج كارثية تهدد بانفجارات شعبية.