تكاثرت هذه الأيام الهجومات المنظمة والعشوائية على اتحاد الشغل...بعد ان قررت هيئته الإدارية شن اضرابين عامين متتاليين دفاعا عن الوظيفة العمومية والقطاع العمومي ترى ذلك في الإعلام ووساءل التواصل الإجتماعي...وفي عدم التزام الحكومة بالاتفاقيات الممضاة مع الاتحاد المتعلقة بالوظيفة العمومية والقطاع العمومي في حين هذا لا تراه إجمالا مع منظمة الأعراف مثلا…
وتستشفه من مشروع ميزانية الحكومة...ومن تصريحات ضمنية وحتى صريحة لمسؤولين سياسيين مساندين الحكومة...بدون الحديث طبعا عن تلك الجوقة من "الخبراء" المكلفين بمهمة... لماذا كل ذلك؟ طبعا وكالعادة لغرض في نفس يعقوب... فمن لا يعرف أن مختلف القطاعات العمومية الاقتصادية والإجتماعية والوظيفة العمومية...هي جزء من السيادة الوطنية...والأمن الاقتصادي الوطني؟
فهي التي كانت منذ الاستقلال القاطرة الأساسية للنمو الإقتصادي في بلادنا...ولا أحد يمكنه إنكار هذا...سوى الجهلة بتاريخ البلاد او "الخبراء " الطراطير البائعين "لاستشارات" بمقابل....او العملاء والمرتزقة لمصالح دول الاستعمار الجديد..
والقطاع العمومي يؤمن المصلحة العامة وحاجيات أغلبية الفئات الشعبية ذوي الدخل المحدود والمتوسط...ويقيها ولو جزئيا في مجتمع رأسمالي...من غلاء المعيشة بالنسبة للبضاعات الأساسية بتوفيرها بأسعار معقولة…
ويؤمن الخدمات الأساسية من أجل ضمان الحقوق الأساسية في التعليم والصحة والتنقل والسكن...التي بدون القطاع العام لا ولن تتوفر للأغلبية الساحقة للشعب...والأمثلة السلبية في ذلك في مختلف البلدان المتخلفة في النمو أعدادها بالعشرات…
وأول من اعتدى على القطاع العام كان الفاسد بن علي...الذي قام بداية من أواسط التسعينات بالعمل على تصفيته...تماهيا مع تعليمات صندوق النقد والبنك العالمي وتطبيقا لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي التي بدأ في تطبيقها حتى قبل دخولها حيز النفاذ في سنة 1998...بدعوى ان العصر عصر العولمة وان القطاع العمومي وخاصة الجزء الخاسر منه يعرقل التنمية…
ففرط في جزء كبير منه...وخصوصا الرابح منه لحاشيته الفاسدة مثله...بوسائل فاسدة وبمقابل ... منافية حتى للقوانين التي وضعها بنفسه اما الجزء غير الرابح فعوضا عن إصلاحه قام بتصفيته على مراحل بطرق مختلفة... وكانت النتائج....لا تنمية...وغلاء اسعار...وتفاقم البطالة...الخ...ثم ثورة…
ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم... يتمسك أبناء بن علي في المنهج الاقتصادي والاجتماعي واللاسيادة...يتمسكون بنفس التوجه اللاوطني... فهم يتكلمون "بالإصلاحات" الكبرى المملاة من صندوق النقد...للاجهاز على ما تبقى من القطاع العمومي عوض تطويره وتعصيره وإصلاح ما أصاب بعضه من عيوب مثل الفساد وتدني المردودية والنجاعة…
يتكلمون عن تلك "الإصلاحات" في نفس الوقت الذي يناقشون فيه اتفاقية الاليكا التي تمثل خطرا جسيما على القطاعين الفلاحي والخدماتي...كما فعل بن علي من قبل في منتصف التسعينات…
وهم يتكلمون أيضا عن "تضخم" كتلة الأجور في الوظيفة العمومية...ويدعون انها هي المسؤولة عن العجز في الميزانية...ويعملون على التخفيض من عدد الموظفين ويروجون صلفا أن عددهم مشط في تونس...والحال أنهم يعلمون ويخفون ان عدد الموظفين بالنسبة لعدد السكان أقل في تونس (5./.) من بلدان مثل ألمانيا (6) وفرنسا (8)...إلخ
وذلك للتغطية عن نصف الاقتصاد... الذي هو مواز ولا يشارك في تمويل الميزانية... وتتحكم فيه فئة منظمة من بارونات الفساد...المتنفذة في اجهزة الدولة ومؤسساتها التمثيلية واحزابها الكبيرة... وقد بينت انتخابات 2014 و2018 انها تتحكم أيضا في موازين القوى الانتخابية...هذه الانتخابات التي ولئن كانت حرة وشفافة فإنها لم تكن نزيهة بفعل المال الإنتخابي الفاسد لهؤلاء البارونات الذي صال وجال فيها بدون رقيب ولا حسيب…
هذا كله يمكن اعتباره من قبيل الخيانة العظمى للأمن الإقتصادي والاجتماعي التونسي...فالخيانات العظمى ليست فقط في المجال الأمني الصرف...والدليل على ذلك ما توفره الدول الكبيرة من أجهزة تجسس واستعلامات وموارد بشرية ومادية في المجال الاقتصادي والعلمي...للدفاع عن أمنها الإقتصادي...وما تتضمنه تشريعاتها من قوانين تجرم الخيانة الوطنية والجوسسة في المجالين الإقتصادي والعلمي في الميادين الاستراتيجية…
لقد من الشعب التونسي على نفسه منذ زمن الاستعمار باتحاد شغل...شارك في الحركة الوطنية وساهم من موقع متقدم بعد الاستقال في التشجيع على التنمية الاقتصادية والإجتماعية والبشرية..و في تطور القطاع العمومي...والدفاع عنه...وهذا لم يكن فقط في مصلحة الأجراء.. بل كان أيضا لمصلحة عموم الشعب…
واليوم ايضا فلما يرفع الاتحاد شعار الدفاع عن الوظيفة العمومية والقطاع العمومي...فانه لا يدافع فقط عن منخرطيه...وانما ايضا على مصالح عموم التونسيين...وخصوصا من هم في وسط السلم الاجتماعي وفي اسفله ومن هم لم يتمكنو حتى من وضع قدم في الدرجة الأولى من هذا السلم…
لست نقابيا...لذلك ان كانت هذه المسألة بالنسبة للاتحاد مسألة اجتماعية أولا...فإنها بالنسبة الي مسألة وطنية أولا...إضافة لذلك…
ولذلك اقول...لن نشاهد تنمية حقيقية في تونس بدون هذا القطاع...ولن تسطيع الدولة ضمان الحقوق الأساسية في التعليم والصحة والتنقل والمسكن لفائدة الجموع العريضة من شعبنا... المحمول عليها...بدونه...والوطنية تبدأ من هنا…