من أنت؟
أنا "جمال خاشقكشي" مواطن سعودي الجنسية، عربي اللسان، من المؤمنين برب السماوات والأرض والشجر والحجر والبشر والليل والنهار مالك الأرواح القادر العظيم الجبار، نبيي محمد أحسن البشر وخير الأنام، عقيدتي دين الإسلام ،وطني البيت العربي الذي يعاني القهر والدونية والهوان..
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" دخلت قنصلية بلادي في تركيا، يوم 2 أكتوبر 2018 دخلت إلى مبنى بلادي ولم تكن معي دبابة ولا حزاما ناسفا ولا راجمة صواريخ ولا سلاح. دخلت كمواطن أعزل مجردا حتى من هاتفي النقال، وليس معي سوى قلمي للتوقيع به على بعض الوثائق والاستمارات..
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" لست معارضا شرسا، ولا حقوقيا لا يشق له غبار، ولا مزعجا للسلطات، بل إصلاحيا ناعما. ومع ذلك وبمجرّد دخولي لهذا المكان في قنصلية الحرمين، هجموا عليّ خمسة عشر شخصا من جلادي بلادي، وابتدئوا بتعذيبي مع سابق الترصد والإصرار. فكنت بين أيديهم كورقة تذروها الرياح..
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" كانت حصّة التعذيب تفوق كل تصوّر وتصوير لكل أشكال البشاعة والإجرام. وأنا أستغيث بين أيديهم وهم يتقاذفنني بالركل والضرب والصفع، ويمطروني بوابل من السبّ والشتم وبذاءة اللسان.
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" بدؤوا يقصّون أصابعي وأنا لا زلت على قيد الحياة في مكتب القنصل السعودي، وأمامي عل جدار غرفة التعذيب معلقا علم المملكة العربية السعودية وكما كلكم تعرفون قطعة القماش الخضراء، تتوسطها كتابة بالأبيض الناصع لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأعلاها صورة وليّ العهد "محمد بن سلمان"، مكتوب تحتها خادم الحرمين، فأي خدمة أشنع من هذه "المنشاريات".
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" ابتدأ تجزير جسدي على طاولة التشريح السعودي وأنا ما زلت انبض بالحياة، وأتفرّج على الطبيب السعودي "صلاح الطبيقي" وهو يسرع في قصّ أجزاء جسدي بحرفية ومهنية، تدلل أنه متعوّدا عل سلخ العباد..
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" ما آلمني أكثر من تقطيع جسدي وتدفق دمائي في كل مكان، أن الطبيب هو صاحب مهنة نبيلة تخفف الآلام عن الناس، وتسعى لاستئصال الداء والأوجاع. غير أن هذا الطبيب السعودي هنا ينتمي إلى فصيلة الحيوان، والذي يفترض من عمادة الأطباء كل البلدان أن تتحرّك في الإبان، وتقدّمه للمحاكمة الدولية العلنية بجناية ذبح الإنسان.
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" كنت مطروحا على طاولة قنصلية بلدي المعدّة سلفا لسلخ جلد الإنسان. ليتحوّل بعد قليل جسدي إلى لحم مفروم، وحولي 15 عشرة جلاد يطوون قطعا من لحمي في لفيف من البلاستيك والقماش، بعد قصّها بالمنشار، من طرف طبيب التشريح السعودي "صلاح الطبيقي"، طبيب برتبة جزّار..
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" وأنا أتفرج على تفتيتي بالمنشار في قنصلية بلادي، تمرّ أمامي صور استنفار القنصليات الغربية، لتخليص بعض مواطنيها حين يقعوا رهائن عند بعض الجماعات المسلحة، مثلما تمّ مع بعض الصحفيين الفرنسيين "كريستيان شينو "- "فلورانس اوبونا "- " جورج مالبرينو"... وغيرهم وكيفية الاهتمام والتحرك لفائدتهم، والاعتناء بعائلاتهم وتسخير كل الإمكانيات لتخليصهم واستعادتهم سالمين أحياء.. وأنظر لوضعي وأنا فوق طاولة الذبح والسلخ، فيتملكني الأسى من أحوالنا العربية وما يقاسيه مواطن هذه البلدان…
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" فإن كنت أنا اقطع حيّا في وضح النهار، كما تقطّع الشاة واقفة من طرف حضيرة ضباع، فكيف حال من كانوا معارضين في الداخل السعودي هناك، بعيدا عن كاميرات المراقبة والأضواء، وقد فهمت الآن إثر وجودي في هذا المكان وأنا في هذه الحال، أن الدواعش في سوريا والعراق، ممن كانوا يجزون الرؤوس، ويشوّهون الأجساد، ويحرقون رهائنهم أحياء ليسوا سوى كتائب ملحقة بهؤلاء وفصائل تابعة لآل منشار..
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" وإنا على طاولة التجزير والتقطيع كنت اسمع عكاضيات بعض الصحفيين وبعض الدعاة يتغنون تزلفا برجاحة وعدالة آل منشار ويثنون على طريقة ذبحهم للمواطن وفق القواعد المنشارية كي يكون الذبح حلال.
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" كنت وأنا على طاولة التفتيت الجسدي وكتيبة الموت تمزق جسدي وأنا أنظر لهؤلاء، وكنت بين وجعي وجروحي أشفق على هؤلاء الجزّارين البلهاء، كنت شبه متأكد أنهم بعد إتمام مهمتهم المنشارية، سوف يقع التخلص منهم مثلما ترمى النفايات ومثلما يكنس الذباب..
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" وأنا على هذه الحال، أتابع فصول تقطيع جسدي مثلما تقطع الخرفان، وقص أصابعي بالمنشار تذكرت المعارض التونسي، "كمال المطماطي" الذي تعرّض للتعذيب الشنيع إبان عهد الرئيس الهارب "زين العابدين بن علي"، ثم ألقي به في خرسانة جسر شارع الجمهورية بتونس العاصمة، ليصبّ فوقه الاسمنت، ويعبّد جسده في الخرسانة، فيكون الجسر طريقا محشوّا بالأجساد، وتلك هي أحوال المعارضين في دول الخرسانة والمنشار..
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" أشكر كل أحرار العالم، الذين ساهموا من مواقعهم في كشف أنياب وأسنان المنشار، واسمحولي جميعا بعد إذنكم أن أبصق في وجه بعض الصحفيين وبعض الدعاة، الذين هم كمثل الذباب لا يستهويهم سوى التكوّم فوق المزابل والفضلات..
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" وصيتي لكم جميعا ولجمهور التواصل الاجتماعي الذي أبدع من خلال الصور والتعليقات، وكشف المستور، احذروا عندما تقدموا تأشيرات حج البيت الحرام، كي لا تكونوا مصيدة في شباك ذباب النفايات…
أيها السادة
أنا "جمال خاشقكشي" قبل توديعكم الآن بعد أن حشّوا رأسي بمنشار خادم الحرام، أشكركم جميعا على تعاونكم في كشف فضيحة قنصلية الرعب، وتحية خاصة لزميلي الصحفي، الذي أول من ابتكر مصطلح "أبو منشار" الذي ترجم لكل اللغات، وكان اسما على مسمى، وصار عنوانا وشعارا لمملكة آل منشار.
الطاهر العبيدي:صحفي وكاتب تونسي مقيم بباريس