قراءة في الوضع الراهن في تونس : نحو ترشيد العقل السياسي

Photo

تمر تونس هذه الفترة بنوع من المخاض الاجتماعي والسياسي والاقتصادي العسير. نعم هو عبارة عن مخاض بعد ثمانية سنوات من ما سمي بالثورة والحقيقة أن هذه الثورة لم تؤتي بعد اكلها لسبب بسيط هو غياب بدائل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وتأخر التنمية وعدم الوفاء بالوعود لكل السياسيين على مختلف مشاربهم.

تنكر نواب الشعب للشعب وتنكر الرئيس وتنكرت الحكومات وتنطعت النقابات وتواكل الشعب عن عجلة التنمية وركن الى النوم فلاهو دافع عن مكاسبه ولا تحكم في مصيره بل تركه للسياسويين والانتهازيين فيلعبوا بمصيره. أنه بكل بساطة تواكل وتقاعس عن الفعل التاريخي.

لتلقي نظرة اولا على المشهد السياسي نعم ليس كل مانراه قاتم بل هناك نوع من الحرية في التعبير والاعلام انقلبت فجأة إلى كلاميات ومهاترات في المحافل التلفزيونية وأصبح الكل يتكلم ويحسن الكلام وأصبح المنتصر ليس من ينجز افعالا حقيقية في واقع الناس وانما ذلك المتحدث اللبق حتى ولو تحدث افكا وبهتانا..

هناك في الواجهة أحزاب ظهرت للسطح ثم تلاشت لفترة نظرا لضعف القاعدة الشعبية وبقيت في السطح الأحزاب ذات المنحى الإيديولوجي أو التاريخية مثل حزب النهضة والجبهة الشعبية التي يمكن اعتبارهما تكتلات إيديولوجية متناقضة تماما لأنها مرتهنة في خطاب رافض للآخر : النهضة تعتبر اليسار كافرا أو منبتا عن المجتمع واليسار يخون النهضة ويعادي كل ماهو ديني في حين ينسى أن النهضة لا يمكن أن تمثل الدين النقي بل هي تجربة وقراءة سياسية للدين ولا يمكن أن تمثل الدين.

حزب نداء تونس هو استمرار تاريخي للتجمع المنحل أو على الأقل للحزب الاشتراكي الدستوري الذي أسسه الزعيم بورقيبة ولكن هذا الحزب من مصائبه واخطائه أنه لم يتاسس على بدائل تنموية بل على مناقضة النهضة واحداث توازن معها ثم بسرعة وبقدرة قادر تحالف الاثنان في فترة كبيرة من 2014الى نصف 2018 ثم بدأ يتصدع ذلك التحالف لأنه تحالف غير مبدئي أرادت النهضة من خلاله الاختفاء وراء شخصية الباجي بعدما انخرم عقد الرئيس المرزوقي الذي نعت بالمؤقت….

كانت النهضة تبحث عن إرساء اقدامها في السياسة والحكم لأنها كانت تجهل ألغازه فاختارت المناورة وتركيز اقدامها لكسب الخبرة مع الزمن والحفاظ على تواجدها خاصة بعد انتصار العسكر في مصر..كانت النهضة تتخوف من خسارة الكل فانبطحت وقدمت التنازل وراء التنازل حفاظا على وجودها مضحية بمصالح شريحة كبيرة من الشعب فمرر على مرآها الكثير من القوانين التي لا تخدم الزوالي…

هي لها قراءتها للواقع التونسي فعملت على تركيز اقدامها والانتفاع من الوضع الهش السياسي للعب على الأوراق..وفكرت في مصلحة حزبها هي من استفادت من درس الاستبداد واخذبت العبر من تضحيات رجالاتها القديمة في فترة بن علي فعملت على تفعيل كل ما من شأنه حماية أبناءها من خلال قوانين العفو التشريعي واسترجاع الحقوق والتعويضات المالية..الخ

في المقابل كان النداء جنين جديد متالف من طامعين ووصوليين ومافيات اقتصادية من رجال أعمال فاسدين لهم مصالح كبيرة في الوجود في الحكم وكثير منهم متهرب من دفع الجباية وله ملفات وسخة وقذرة يرحون اخفاءها وطيها طي الكتمان.ثم فيهم طبقة جديدة أرادت الاستفادة من الوضع السياسي الجديد الذي برزت فيه وجوه لم تكن لتتالق لولا غياب كبار الحومة….

تجمع تحت راية النداء متسلقون ووصوليين وانتهازيون وبعض أصحاب النوايا الحسنة الذين يؤمنون بالوطن ولكنهم قلائل فتمزق النداء اكثر من مرة خاسرا الكثير وأصبح جزءا من المشكل وليس جزءا من الحل.. نعم أصبح النداء كما النهضة عبئا على الشعب لأنهما بكل صراحة لم يلتفتا للشعب وبدرجات متفاوتة..وضمن معايير مختلفة..

اين تكون الجبهة انها لضعف قاعدتها ولكراهيتها الأيديولوجية للنهضة تلك الكراهية الأولية التي لم تتغير منذ سنوات الثمانين في الجامعة التونسية تصطف دائما ليس من أجل مشروع بناء للوطن وانما مشروع هدم للنهضة. لم تفهم الجبهة نظرا لعقلها السياسي المتخلف أن عدائها للنهضة لا يحب أن يكون المحرك الأساسي بل مشاريع التنمية والبدائل الاقتصادية…

اين تكون الجبهة فاعرف انها في الصف المخالف للنهضة حتى وإن تحالفت مع الشيطان أو مع أعداء الوطن غير مهم المهم عندها كني النهضة من المشهد..

فماذا تفعل الجبهة في هذا الإطار هو بكل بساطة تحريك الملفات الضاغطة مثل ملف الاغتيالات للتجارة بدم شهيدين لتؤرق المشهد السياسي الفاشل اصلا وهي ورقة تستفيد منها كلما أرادت أن تحصل على مكاسب مادية أو سياسية أو تحالفات ولكن تقبع دائما بالخلف.

النهضة تقبع خلف النداء للتواجد والجبهة تقبع خلف النداء لكسر النهضة. هو صراع طال ودام على حساب الشعب وعلى حساب مشاريع تأخرت ينتظرها الشباب والشعب.

ثم إذا التفتنا وراء الجبهة وجدنا كابوسا اسمه النقابة التي انفرط عقدها واقتحمت دون مشاورة المجال السياسي وأصبحت تحدد الاختيارات بإسقاط حكومات ووزراء و .و.. وهي تتفاوض ليس من أجل الشعب وانما من أجل مصالح أجهزتها ومكتبها التنفيذي رغم وجود رجال كثر صالحين فيها تقبع في قلوبهم روح فرحات حشاد ومحمد علي الحامي والحبيب عاشور…وغيرهم.

تحولت النقابة إلى أداة ضغط تركب على مطالب الجماهير للحصول على منافع شخصية ولا تستشير أحدا بل تقرر في كواليسها تحالفاتها بغض الطرف عن مصالح الشعب. لا ننكر انها وراء زيادات الأجور ولكن هل طالبت بتحسين العمل والإنتاج هل راعت ضياع السيادة الوطنية تحت ضربات صندوق النقد الدولي اللاذعة والموجهة!!!

ماذا يفعل الرئيس في الأثناء ينام في سبات عميق فإذا أفاق حرك ملفات هجينة لا علاقة لها بالتنمية أو التشغيل أو ارتفاع الأسعار أو انهيار الدينار أو او. أنه سيكلمك عن التساوي في الميراث بين الذكر والانثى ويدخل حربا غير مطلوبة ثم عندما ينتبه إلى ضعف صيت ابنه يحاول تلميع صورته من خلال الخبث السياسي لرجل محنك لا يعرف من السياسة إلا التلاعب..

ماذا يفعل يستفيق على انتصارات للنهضة في البلديات تحت جبته لان النهضة اختفت تحت عبائته فعندما يجد أن النهضة بدأت تثق في نفسها وبدأ خطابها يتغير من حمل وديع الى مناقض بل أكثر من ذلك يقف مع رئيس الحكومة ضد ابن رئيس الدولة تحت عنوان المحافظة على الاستقرار وتماشيا مع طموحات رئيس حكومة جديد في ميدان السياسة لا نعرف له ماضيا وطنيا ولا فكرا سياسيا بل طموح كبير للبقاء في الحكم. أصبح الصراع واضحا للعيان بين تحالف من جانب النهضة- الشاهد يرمي إلى مواصلة الحكم وتحقيق بعض الإنجازات والمرور نحو الانتخابات الرئاسية القادمة بسلام
ومن جانب آخر رئيس الدولة ومعه نداء مكسور الجناح يحاول مغازلة اليسار من خلال موضوع الميراث واخيرا التفاعل معهم وتاجيج ملف الاغتيالات ثم موضوع ابرزوه الى السطح تحت عنوان الجهاز السري النهضة وغيرها من التهم التي لم تثبت حقيقة بل تبقى فرضيات..

ثم يبدأ التحرك لتسخين الأجواء لإجهاض الاستحقاق الانتخابي مخافة أن تظفر به النهضة وفي هذا المسار يتجمع كثير من المافيات المصلحية للزج بتونس في أتون حرب أهلية لا قدر الله غنيمه مثلا بالبزات الحمراء التي وقع إعدادها تأثرا بالموضة الانتفاضة الفرنسية بلون احمر يرمز للعلم والهدف منه إدخال البلاد في فوضى نعرف أن الذي سينتصر فيها ليس الشعب وانما من يوقدها ويصرف عليها الملايين.. أنه إرادة الحكم بالقوة والا إحراق الاخضر واليابس. ونسمع ببعض التصريحات الآتية من الديوانة بالعثور على كميات كبيرة من الحرابش أو الحبوب المهلوسة مهربة وقعت بين ايدي الديوانة بعد غياب الزكاة وغلاء سعرها مؤخرا الشيء الذي رأى فيه الكثير من الخبراء مؤشرا مخيفا على وجود نية إدخال البلاد في الفوضى .

ايها الشعب كن متيقظا هاته المرة فتونس غير مستعدة لدفع فاتورة جديدة لا ننسى الفاتورة الاولى التي دفعناها منذ 2011 الى اليوم لم يربح منها الشعب شيئا بل ربح منها السماسرة بعرق الشعب ودمه لابد للجيش أن يحمي الوطن وعلى القوات الأمنية محاصرة الارهاب خارج الحدود وداخله لان من يوزع حبوب الهلوسة هو من يريد ارهاب الشعب بابناءه ويريد أن يحطم التعليم العمومي ويريد أن يرهق التوانسة الزواولة.. على الاتحاد أن يقف وقفة وطنية ولا ينخرط في اي فوضى تحت أي مسمى

على النهضة أن تنقد خياراتها ولا تتكبر ولا تتجبر.

• على الجبهة أن تؤمن بالصراع الديمقراطي.

• على الرئيس أن ينسى التوريث.

• وعلى المافيات أن تهاب الله وتتقيه في الشعب …..

• وعلى الشعب أن يكنس أعداءه الحقيقيين وان يحافظ على السلم الأهلي.

وعلى السياسيين أن يثوبوا الى رشدهم وان يتحرك العقل السياسي الوطني فيهم لا المصلحة الهدامة للجميع..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات