هي نفس الكيمياء هناك وهناك مع مراعاة الاختلاف وخصوصية كل بلد. كيمياء تفاعلات ما بعد 2011 أذابت أجساما صلبة وفتحت أفق تغيير عميق في بلاد عربية غرقت شعوبها زمنا طويلا في يأس بليغ. هي الكيمياء التي جعلت اليميني واليساري هنا يجتمعان للحظة وجعلت الطائفي يلتقي والطائفي في لبنان ليرفعا شعارات واحدة تتحدى الطائفيىة وتدين الفساد وتواجه اللصوص.
إنّها كيمياء اشتياق الفرح. ولم تعتد الشعوب العربية أن تفرح لنفسها فقد ألفت أن تفرح لانتصارات القائد أو الرئيس أو الزعيم، انتصارات تنطوي على هزائم حقيقية تخفَّف لتصير نكسات.
ولكنّ الوجدان العربي ظلّ يختزن حزنه العميق والطويل في التاريخ إلى حدّ أنّ نزار كتب قصيدة الحزن حيث الحزن مكوّن ضروري حتى نوجد، وإلى حدّ أنّ محمود درويش كتب يوميّات الحزن العادي حيث الحزن قيمة ثابتة في اليومي العربي.
ما حدث لم يرجّ فقط النظام السياسي والاجتماعي العميق. بل رجّ البنية الذّهنية بالانتقال من الحزن العادي إلى الفرح العادي. لقد ارتفعت الحناجر والأيدي لتطالب بحقّها في الفرح. وضروري الآن أن يتمّ الانتقال من أدب البكائيات إلى أدب الأفق الجديد. أدب يلوّن الوجود العربي.
هي الكيمياء حين تؤثّر في أدمغة الشعوب فتصنع معادلاتها الجديدة. كيمياء التحوّلات الرهيبة التي تحوّل الأجسام الصلبة المتحنّطة في تاريخ العداوات الطويل وأصنام المفاهيم العتيقة والنظريات الجامدة إلى مادة سائلة مرنة تأخذ شكلها الجديد من الزخم الهائل.
وسيتشكّل من وهج الثورات وجدان عربي جديد غير منهزم. وجدان لا يستعذب قصيدة الحزن ولا يغرق في الآهات الكلثومية. لعلّه الزّمن الجديد الذي وعدت به فيروز " وعدي إلك وعد الصوت غنّي لك".
سنحتاج زمنا حتى تُخرج الكيمياء جسمها الجديد. ولكنّه سيكون جسما أكثر تعافيا من الفساد والجهويّات والطّائفية، وأكثر تحرّرا للجسد والأفكار، وأكثر كثافة للمعنى. هنا وهناك سيكون الجسم العربي الجديد المنتفض أكثر قوّة وأكثر إقبالا على الفرح، وأكثر قدرة على أن يغني، مع فيروز.