اليوم فهمنا لماذا يتظاهر الرئيس بصلاة الجمعة في المسجد.. فعله الذي يتظاهر به هو فعل كلّ حاكم مستبدّ يرى نفسه حامي الحمى والدين.. يقول ما يريد ولا يُرد عليه قول ويفعل ما يشاء ولا يُنقَد له فعل... وبتنا نخاف على حرية التعبير التي لا يؤمن بها الرئيس إذا خالفت ما يرى.. ولم يبق لنا من شكّ في أنّه إن حقّق ما يريد سينصب للناس المقاصل في الطريق كما يفعل كلّ فرعون لا يُرِي الناس إلّا ما يرى.. وسيستعمل أتباعه جلّادين…
هل رأيتم حاكما يعتدي على مواطن في مسجد؟ أليس هذا سلوك الإرهابيّين؟
شاهدت الفيديو الذي يحكي فيه المواطن مخاصمة رئيس الجمهورية له وتحريضه حرَسه عليه إثر صلاة الجمعة.. الرجل اعتدوا عليه بالعنف البدني واللفظيّ داخل المسجد الجامع وأوشك أن يقضيَ بين أيديهم لأنّه خاطب الرئيس بما لا يريد أن يسمعه لمّا انتصب الرئيس في الناس خطيبا، في استعمال فجّ للدين وانتهاك واضح لحرمة المسجد واعتداء صارخ على المواطنين.. وتعدٍّ بيّنٍ على الدستور الذي أقسم على احترامه.
بفضل الثورة صرنا مواطنين:
تحيّة لهذا المواطن الحرّ العاقل الذي قال رأيه بكلّ أدب وبلا خوف ودافع عن عقله ولم يخش الرئيس ولا حرّاسه المدجَّجين.. فقد عبّر، فعلا، عن أنّ في بلادنا ثورة حرّرت الناس من أن يكونوا عبيدا للحاكم لا يقابلونه إلّا خانعين متذلّلين.. لقد صاروا مواطنين لا يتنازلون لأحد عن حقوقهم ولا يرضون بانتهاك عقولهم ولا يقبلون بأن يعتديَ أحد على حرياتهم ولو كان رئيسَ الجمهوريّة نفسه…
لقد فهم هذا المواطن الحرّ أنّ الرئيس يستغلّ الدين لمهاجمة خصومه في السلطة ويحرّض المواطنين عليهم دون أن يراعيَ للمساجد حرمتها.. وأظنّ أنّ وزارة الشؤون الدينيّة ملزمة بالتحقيق في الأمر وتطبيق القانون.. ألا يقال إنّ القانون يسري على الجميع؟
الرئيس ينتهك الدستور ويهدّد الحريات:
الرئيس متى أراد أن يتعبّد في المساجد مثل المواطنين عليه أن يلتزم بالدستور وينضبط للقانون.. وأن يحترم المصلّين لأنّه، داخل المسجد، لا يعدو واحدًا منهم.. لا يزيد عن أحد منهم بشيء…
ومادام مصرّا على التظاهر بالصلاة الجامعة فليس يُعقل أن يدخل بحرسه بين المصلّين، لأنّ ذلك من شأنه أن يفسد على الناس صلاتهم ويبثّ فيهم الخوف خاصة بعد الذي فعله حرسُه مع المواطن الضحيّة.. سيكون الرئيس محلّ ريبة ومصدر تخويف وسبب نفور الناس من الصلاة بمسجد يدخله…
المساجد لله وليست للرؤساء.. والداخلون إليها سواسية لا فرق بينهم.. يستعدّون، بصلاتهم، لآخرة يُبعث فيها الناس عراةً يأتون ربَّهم بلا حرَسٍ ولا هيلمان…
الرئيس يستعمل الدين في السياسة ويخاطب الناس في الجامع دون إذن الإمام.. وفي ذلك مخالفة للأعراف وخرق للقانون وانتهاك للدستور…
تخيّلوا لو أنّ رئيس البرلمان انتصب في الناس خطيبا في بعض مساجد العاصمة إثر صلاة الجمعة، تخيّلوا ما الذي كان سيثيره من هجوم عليه؟ سيُنعت باستغلال المساجد والاتّجار بالدين… وستُنصب له المحاكم على المنابر.. قبل أن ينادى بإنفاذ القانون…
مادام الرئيس يريد أن يخالط الناس فليصبر عليهم وقد استجاروا ببيت الله من كلّ سلطان.. ومادام كلامهم يؤذيه فهو مأمور، لو كان يفهم، بأن يصبر على أذاهم…
لم نعد في ضيعةٍ الرئيسُ ناظرٌ عليها يفعل بها ما شاء دون أن يسائله أحد.. نحن في دولة ديمقراطية عمادها حرّية عمّدتها دماء زكيّة وأرواح عرجت إلى السماء لأجلها.. وسيلعننا التاريخ لو فرّطنا لأحد في حريتنا…
يبدو لي أنّ الرئيس قد وضع حدّا لعمره السياسي بهذا الذي ارتكبه من ظلم ضدّ مواطن "غلبان" كلّ جريرته أنّه نطق بكلمة حقّ… لقد اختار الرئيس، بمحض إرادته، أن يكون هو السلطان الجائر الذي يرقى الواقف له إلى مقام سيّد الشهداء…
ملاحظة: من العيب أن يقال إنّ المواطن نهضويّ.. وما دام النهضويّ لا يكون إلّا قتيلا أو مسلوبا، فمن حقّ حرَس الرئيس أن يفعلوا به ما شاؤوا… هذا قول لا يليق بشعب أنجز ثورة…
وقديما قال الرئيس: إنّ العصفور لن يعود إلى القفص.