هنالك قاعدة سوسيو- تاريخية تقول : عندما يتازم المنطق الحداثي يسود المنطق المحافظ . بهذا المعنى ، ستبقى الحركة الإسلامية المحافظة في تونس من أكبر الحركات السياسية جماهيرية وأكثرها انضباطا تنظيميا وستبقى الاولى في الحكم او - في أقصى الحالات - الاولى في المعارضة لعقود من الزمن رغم كل ما يمكن أن تنتقد به فكريا وسياسيا ودوليا …
وذلك - من بين أشياء اخرى- بسبب كون خصومها يعيشون أزمة مشاريع ناتجة عن رثاثة تنظيمات الحداثات الليبرالية والقومية واليسارية والشعبوية وغيرها من حيث الفكر والسياسة والتنظيم وحتى البشر ...وعدم ظهور مشروع سياسي حداثي تونسي جديد يعرف كيف يؤلف وطنيا / سياديا بين العروبة والإسلام والحرية والعدالة الاجتماعية وكيف ينفتح بطريقة جديدة على الإنسانية وعلى منجزاتها دون تبعية أو تقليد.
لن ينتهي زمن الإسلام السياسي المحافظ في تونس إلا بتجديد بنيوي جذري للحداثات السياسية يقوم - من بين ما يقوم به- بخلق مقاربات حداثية جديدة لعلاقة الإسلام والمسلمين بالله و الكون والحياة و المجتمع والفرد تليق بالانسان التونسي في القرن٢١ .
وان الطريق و الطريقة للقيام بذلك لابد أن يكونا تأليفا ديمقراطيا ومدنيا بعيدا عن احذية البوليس والجيش الانقلابيين الذيْن عادة ما يوظفان شيوخا جددا يؤجلون الأزمة ولا يحلّونها و ' الثوريين ' القدامى الذين يعلمنون الدولة من فوق بالعنف المادي والرمزي بعيدا عن حاجيات عموم جماهير المسلمين المادية والنفسية والفكرية ... بما فيها الدينية .