ليست المرة الاولى في التاريخ ان ينقلب منتحلو الحداثية ودعاة التقدمية الي رجعيين. حدث ذلك في كل منعرجات التاريخ الحاسمة فانقلبت الطبقة السلطانية الي احط درجات الرجعية خوفا على مواقها: انقلب " بورك" ( E Burke) الي معاد للديمقراطية، وانقلب " دي توكفيل" الي عدو للمساواة والعدالة ( كان ابن نبيل)، اما في تونس فقد ندد " العلماء" بثورة علي بن غذاهم خوفا على امتيازاتهم.
اما خلال الحماية فلم يجد الطاهر بن عاشور حرجا في ان يكون ضمن هيئة المؤتمر الافخارستي، وفي ازمة التجنيس لم يحرك ساكنا حتى رفض الناس ان يؤمّهم في الصلاة، كما كان من بين الذين افتوا لتبرير اغتصاب اراضي الاوقاف من طرف المعمرين( كان جده لأبيه قاضيا ومفتيا ونقيبا للأشراف، وابوه مشرفا على الاوقاف، وجده لامه محمد العزيز بوعتور وزيرا اولا في ظل الحماية).
اما حداثيو بودورو الحاليين فقد نصب لهم التاريخ مصيدة لفضحهم: اولا انا على يقين ان اغلبيتهم الساحقة لا يعرفون ماهي الحداثة( اذا هيجل وِحل فيها ولم يخرج منها الا بشق الانفس باعتراف هابرماس) وثانيا كان بن علي يستعملهم لأمرين: لتجفيف منابع خصومهم ولإعطاء يافطة ديمقراطية لحكمه، فمكّنهم من الجامعات وزرعهم في الاعلام والثقافة وجعل منهم سفراء ووزراء ومستشارين.. وجعل لهم اماكنا للبيرة الرخيصة.
وهاهم اليوم ينقلبون الي رجعيين يبحثون عن بن علي جديد ويساندون حفت والسيسي ويتحالفون مع الانظمة الوهابية. ان العودة الي الوراء رجعية فجة لأنها ضد فكرة التقدم التي هي روح الحداثة، ورفض الديمقراطية بحجة انها جاءت بخصومهم يجعلهم امام فضيحة تاريخية: لقد اصبح خصومهم حداثيون ديمقراطيون واصبح هم ظلاميون رجعيون.
اما اذا تعللوا بكون الانتخابات فاسدة- على اساس هم نظاف- فإننا نذكرهم- على اساس هم يعرفوا- بان الفهم الحديث للطبيعة البشرية يقوم على مفهوم ال perfectibilié ومفهوم التاريخ يقوم على فكرة التقدم.
ليس هؤلاء الا كذبة واشباه كتبة رجعيون يتسترون بحداثة لا يفهمونها، يُخترشون على حيطان افتراضية هواجسا ورغبات ومخاوف تنبع من مواقعهم ككائنات وظيفية لم يعد لها من يشغلها، ككلب منبوذ في العراء ينبح في وجه التاريخ.
@ استدعاني مرة احد ابطال الحداثة وحرية التعبير زمن الترويكا الي برنامج ولما نقدت السبسي قام بحذف ذلك واصبح يتضرع لي بان لا اقول شيئا. كذَبَة ومرتزقة.