لا أبدا.. هو يدرك أنّ أحرار الثورة وصمّام أمان التجربة لن يفكّروا في عزل رئيس منتخب ولو كان هيكلا أو دمية، المهمّ لديهم وجود محكمة توقف شهوات الرئيس ونزواته المخجلة والمخلّة.. هو أيضا يدرك أنّ البرلمان سبق وانتخب أحد الأعضاء، وسيكتفي هذه المرّة بانتخاب ثلاثة فقط، ستتفق حولهم الكتل ولن يميلوا إلى هذه الجهة أو تلك بحكم التوازنات داخل البرلمان، بينما سينتخب هو والقضاة بقيّة الثمانية…
إذًا هو لا يخاف من أحكام المحكمة، هو يرفض وجود جهاز أو جهة أو شخص فوقه، صلاحياته تفوق صلاحيته ولو في مناسبات عرضيّة أو دستوريّة، هو شخص وجد نفسه فجأة في أعلى هرم السلطة دون مقدّمات ولا نضالات ولا ممارسة للسياسة، بشيء من الباراتان وبلغة عربيّة محنّطة جافّة ركيكة وبهالة من الغموض، وجد نفسه في قرطاج... إضافة إلى الغرور الذي يعاني منه تلبّسه جنون العظمة، أصبح مستعدا للدخول في حرب مع كلّ من يستأنس فيه التفوّق والتقدّم والقوّة والصلاحيات وحتى السبق النفسي..
ودليل ذلك أنّه ترك كلّ الأحزاب ودخل في معركة حياة أو موت مع حزب النّهضة، لأنّ النّهضة تتقدّمه بحكم تاريخها وتجربتها ومكانة الحزب الأوّل في الدستور، ترك كلّ الشخصيّات ودخل في معركة حياة أو موت مع الغنّوشي، لأنّ الغنّوشي يتقدّمه كرئيس للحزب الأوّل وبحكم الفوارق الشاسعة بين الرجلين على مستوى التاريخ النضالي.. ترك كلّ الوزراء كما ترك الفخفاخ كما ترك المشيشي بصفته الأولى عند التعيين "وزير أوّل" ودخل في معركة تكسير عظم مع المشيشي رئيس الحكومة، لأنّ صلاحياته أكبر من صلاحيّات رئيس الدولة.. ثمّ دخل في معركة تكسير العظم مع المحكمة الدستوريّة لأنّ صلاحياتها أقوى من صلاحيات الرئيس.
سوف يدخل في صراع مع كلّ القوى التي تقاسمه الصلاحيات، وتلك التي يستصغر نفسه أمامها، ولن يسمح لها بممارسة مهامها إلّا إذا انكسرت وتذيّلت وأرضت غروره، وشعر أنّه فوقها، لن يحكم البلاد بشراكة اقرها الدستور، أبدا.. أبدا.. إما أن يدمرها أو يصل الى مبتغاه، يجرب ويفشل، ثم يذهب الى حال سبيله لا يهتم للمصائب التي ستجلبها تجربته الفاشلة، سيمضي دون أن تتحرك له شرعة واحدة، كأنه فتح دلاعة وجدها بيضاء تركها عن شبع وانصرف.. لأنه لم يتعب من أجل هذا الوطن، لم يناضل ولا هو دفع الثمن.