يذهب إلى فرنسا يجرّدها من جريمة الاستعمار ويهبها مرتبة حماية، يقبّل كتف رئيسه يتآمر معه على الثورة الليبيّة، يخرّب علاقة تونس بالجار الشرقي حين دعا القبائل إلى كتابة دستور ليبيا.. يقفز قبل المشيشي إلى ليبيا فقط لقطع الطريق عن زيارة رئيس الحكومة، ثمّ يكتفي ببعض سويعات ويعود وقد أنجز مهمّة التفتين بين مؤسّسات الدولة التونسيّة والدولة الليبيّة! سويعات ليس غير!
في بلاد بيننا وبينها الأرحام والأنساب والحدود والمصالح، بلاد عبارة عن مطمور تونس ورئتها حين تضيق وتختنق، بلاد تضخّ العملة حين ترسل السيّاح وتمتصّ البطالة إذا استقبلت اليد العاملة التونسيّة، بلاد بهكذا مواصفات ظلّ فيها لسويعات في مهمّة قذرة تستهدف تجربتنا وثورتنا، ثمّ عاد بفتنة وخفيّ حنينه.. ثمّ هو يشدّ الرحال تجاه بلاد انقلب فيها العسكر على الشرعيّة وأحدث فيها أفظع مجازر في تاريخ مصر، يذهب السفّاح النامي للبقاء عند السفّاح المستقر مدّة ثلاثة أيام بلياليها!!! يعلّمه من أين يذبح وكيف يفصل الجمامج في وقت قياسي قبل أن تتفطن لاهاي!
زيارة خطيرة تؤشّر إلى أنّنا لسنا بصدد جائحة سياسيّة دستوريّة فحسب، بل بصدد مشروع سفّاح يهفو إلى سفّاح محترف لعلّه يساعده في الانقلاب بعد أن أسرع جيش الدم في مصر وخان، وتعفّف جيش تونس وصان! زيارة لها ما بعدها، زيارة تؤكّد رغبة الكارثة في الانحراف بالمعركة من تخريب وتعطيل وانسداد، وتهجّم وعار وشتم.. إلى الدم والأشلاء والجماجم!!! يسافر مشروع السفّاح الهاوي إلى السفّاح المحترف ليلقّنه أصول الدم بعد أن لقّنته فرنسا أصول الالتفاف، والغدر، والخيانة، والعمالة.
سنة ونصف ضاعت على تونس في معركة تمرير اللجان الشعبيّة، ولمّا فشل ويئس من جيشها كما يئس الكفّار من أصحاب القبور، ذهب يبحث عن مدخل دموي لعلّه يبلغ به ما عجز عنه بالمداخل الالتفافيّة وبأحزمة العار المعتّق.. يذهب إلى السيسي الذي لا مال يساعد به ولا يد عاملة يستقبلها ولا حدود نرغب في ترتيبها ولا مشاريع نرسل لها شركاتنا ولا ديمقراطيّة نتزوّد منها لديمقراطيّتنا! ماذا بقي؟ لا شيء غير المجازر والانقلابات وصدى الدم وروح 25 يناير تحوم حول ميدان التحرير وحياة مدنيّة محنّطة يزفر الموت في رفاتها، وديمقراطية محشوة في صناديق المومياء ورائحة العسكر تعفر المحيط وخشوم المدافع تشكّ الشوارع تحذّرها من مغبّة التفكير.
أين تذهب أيّها الثعلب الناعس غدرا؟ إلى دولة تعتمد بنسبة 80% على الضرائب تقتطعها من شعب ليس له الحقّ في التأوّه ناهيك عن حقّ التعبير، أين تذهب؟ إلى دولة تعيش فيها كتلة المتقاعدين التي قدّرت بــ 9.8 مليون على معدّل دخل لا يتجاوز 55 دولار في الشهر، أين تذهب؟ إلى بلاد الحدّ الأدنى للأجور فيه الأقل عربيّا، أين تذهب ؟ إلى نظام ومنذ سنة 2014 زاد في الأسعار سبع مرّات، بنسبة 660%، أين تذهب؟ إلى حكومة قامت سنة 2014 بتعويم الجنيه ما أدى إلى انهيار العملة المصريّة أمام الدولار، إلى أين تذهب؟ إلى بلاد قفزت فيها الديون المحليّة والخارجيّة في سبع سنوات إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما سجّلته مصر على مدار 70 عام، وحدها الديون الخارجيّة تجاوزت 124 مليار دولار…
إلى أين تذهب؟ إلى نظام باع جزره وذبح شعبه وانقلب على ثورته وداس المدنيّة ومكّن للعسكريّة ووسّع من سيطرة الجيش على الاقتصاد واعتمد في كلّ محافظة مستشار عسكري، إلى أين تذهب؟ إلى دولة حذّرت أغلب المؤسّسات الدولية الماليّة من أنّ السحب المفاجئ للمساعدات والتمويلات الإماراتيّة السعوديّة الضخمة سيتسبّب في كارثة اقتصاديّة لم تحدث من قبل... إلى أين تذهب؟ ثمّ والأهمّ بماذا ستعود من عند سفّاح القرن؟! لا شيء غير أنّك ستمتطي الطائرة وأنت مشروع سفّاح، ستتمّ رسكلتك هناك ليس بعيدا عن ميدان رابعة، ثمّ تعود إلى تونس سفّاحا متربّصا ختم لهك ووسمك كبير السفّاحين.
سيضحك عليك السيسي ويضحك عليك بن زايد وتضحك عليك فرنسا وتضحك عليك الكتلة ويضحك عليك حزامك وتضحك عليك ناديا وتضحك عليك القصوري، وتضحك أنت عليهم ولهم... حتى إذا شبعتم كلّكم بالضحك، واعتقدت أنّ تونس قالت لك هيت لك! ضحكت عليكم ثورة سبعطاش ديسمبر كما لم تضحك من قبل.. ستذهبون كلّكم إلى الجحيم وتمرّ الثورة تمخر لا تبالي.