وسردت لي أمي،طفلاً، القصة كلها،وحفظتها عن ظهر قلب فقالت : سماها من بناها،جدنا الكنعاني الأول،أور سالم-مدينة السلام. ومشى فيها الأبن درب الآلام إلى الصليب، سعيداً بالفداء.
ومنها صعد الهاشمي الشجاع إلى السماء. العربي الذي يعرف حاراتها حارة حارة،منذ الحارث النبطي، جعل من المدينة كلها-بيت المقدس .الفاروق ،صاحب الصرخة الاولى في الحرية:(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)جاء بجلالة قدره ليتسلم المفتاح،ويكتب عهدته الأبدية.
من يومها وأنا أقرأ في كتاب الوجود: القدس حلم العطاش إلى السماء، ودرب الرحلة إلى إله الحب، فلسفة العشق الشآمية، الساكنة أفئدة الصادقين. الخوذة الحمقاء التي تغلق درب السماء لا تدري هزة الوجدان فرحاً بالسمو،وتجهش بالبكاء حقداً عند الجدار .
مي يستطيع أن يسوّر فضاء الروح، ويغلق القلب العاشق يا مدينتي،وقفتً عند أنوارك وقالوا لي :لا تحاول وأنت اللاجئ ،فلا تحاول.فرجعت يا أمي بعينين دامعتين وفؤاد كسير .
قال لي صاحبي: لاحق لنا في العناق يا سليل بناة القلاع، أنسيت روح خليل التي فاضت بمدافع نابليون، أنسيت المشنقة التي تدلى منها جسد عيسى في دمشق،أنسيت موسى الذي لا يعرف أحد في الشام أين دفنته عساكر السلطان.
لا عناق للقدس إلا وأنت تحمل السيف، فحين أنحنت أسنة الرماح ماتت طقوس الفرح في القدس. قالها محزون الفؤاد:القدس جميلة يا أحمد ،تفرح إن دخلتها كبرياءً،وتحزن إن دخلتها خنوعاً و غاضبة إن تسللت إليها هارباً من عيون الحرس.
وقالت لي برقاويه في التسعين تلبس الثوب الفلسطيني المزخرف: لا ترسل القبلة من بعيد يا فيلسوف الحب، فالقبلة من بعيد حيلة العاجز الحزين.
وخاطبني الوحي فقال: الطريق إلى القدس شوق وشوك، الطريق الشوق الشوك فلسفة في المعنى. فكن قوياً يا ابن اللغة ولا تنس، حين يلهو العبث بنا،بأننا أبناء الحياة.