استبق شقيقُه نوفل سعيّد بإصدار حكم العائلة في شأن إرساء المحكمة الدستوريّة بعد أن تعهّد هو في حملته الانتخابيّة بالتعجيل بها.. هو الرئيس، والحاكم، والحاجب، والمحكمة.
هو الآن يتحصّن بالمحافظة على الدستور يفرض قراءاته الشاذّة على الجميع كأنّه هو ذاتُهُ الدستور، وليس من مصلحته أن يفرّط في ما يراه له حقًّا لأيّة جهة أخرى وقد تعلّم بأن يتظاهر بأنّه عنيد لا يعرف التراجع... لقد أحرق مراكب عودته وقطع صلاته بالجميع.. وهو يرى في المحكمة الدستورية التي يدعو إليها البرلمان غريمة له لأنّها ستضيّق من صلاحياته التي يعمل جاهدا على توسيعها وستحول هي، إن أُرسيَت، دون رغبته الجامحة في احتكار "المحافظة على الدستور" التي يفهمها حقّا له مطلقا في تأويله وفق ما يمليه عليه الهوى.
لم يعد من المجدي مخاطبة قيس سعيّد بلغة العقل ولا محاكمته إلى نصّ الدستور وإلى منطوق القانون... هو وشقيقه وحاشيته ودروايشه والمنتفعون به لا يحتكمون إلى دولة ولا إلى قانون ولا إلى عقل.. فرصة جاءتهم على طبق من سذاجة الناخبين ومن غباء السياسيين، ولن يفرّطوا فيها ولو سالت دونها أنهار دماء.. مساجلاتهم اللغوية لا تلتمسُ لها غاية خارجها.. فهم لا يقتنعون ولا يُقنعون.
ما فعلوه بيمين الوزراء يفعلونه بختم القوانين وسيفعلونه بالدعوة إلى الانتخابات بعد انقضاء السنوات الخمس.. ولن يجد أحد له أرضية مشتركة معهم من عقل أو من مصلحة عامة.. الانتخابات كانت سُلّما وصلوا به ولن ينزلوا إلّا بمحنة وقى الله بلادنا وشعبنا منها.
المعركة معهم ليست في القانون ولا في الدستور ولا في الدولة ولا في العقل.. المعركة خارج كلّ ذلك.. الرجل يبحث له عن ترسانة أسلحة لا يرى نهاية لحربه بها إلّا منتصرا أو شهيدا وخصومُه يحدّثونه عن دولة القانون ويذكّرونه بما يجب وما ينبغي وبما عليه أن يكون...
أقول لهؤلاء:
ابحثوا لكم عن حلّ آخر معه قبل أن ينحدر بالبلاد إلى الهاوية.. هو يخرج من النصّ ليفرض واقعا.. فاجتهدوا أن تفرضوا عليه واقعا مختلفا.. قابلوا الأمر الواقع الذي يفرضه بواقع آخر يدفعه ودعوا النصوص…
لقد وجد له منفذا ليسطوَ على كلّ النصوص فلا تتركوا له الواقع يعبث به…
جشعه لا ينتهي.