لن نتوقف كثيرا عند استنساخ تجارة الجنائز، فتلك سلعة راجت وعادت للرواج، وها قيس يعود الى ركوبها.. أيضا لن نقف عند استشهاد سعيد بجريدة العمل تلك الخشبة أو الجدرة الإعلامية المحنطة التي كرهناها اكثر مما كرهنا الحزب الوحيد الحاكم بأمر الزعيم.. ايها الرئيس تحكي لنا عن مقال في جريدة العمل وتفسر في معانيه بدقة كأنك بصدد تفسير القرطبي او ابن كثير او الجلالين! لا جدوى من الوقوف ولا التوقف لأنّ الرئيس عاد الى كافور والمعري فكيف لا يعود الى جريدة العمل والى تجارة الجنائز.
دعونا مع قوله "الفكر السياسي كان أكثر وضوحا وأكثر وطنية في تلك الفترة"، لنقف مع كذبة الوطنية! فما من رفيق درب يقوم بتصفية وشنق رفاق دربه ويلاحق صديقه وشريكه الى فرانكفورت ليقوم باغتياله غيلة، ثمّ يقتل الحرية ويخنق التعددية وينصّب نفسه رئيسا سلطانا، ما من شخصية وطنية او شبه وطنية تفعل ذلك، لأنّ تلك السلوكيات مناقضة ناقضة للوطنية.. فقط بعضهم يترجمها وطنية!
لأنّ الأمر اختلط عليهم، وإلّا فإنّ الفروق شاسعة بين من يعمل للوطن ومن يعمل لمتاعه ملكه مزرعته، هكذا كانت الأقطار العربية بعد الاستقلال، من ينزو على السلطة يتصرف فيها كمتاع، يحميها كمتاع، يحضنها كمتاع، يزرعها كمتاع يحصدها كمتاع يغرقها كمتاع يحرقها كمتاع.. ثمّ يهيج الفساد طوفانا حين يشعر أنّه بدأ في فقدان المقود وعليه أن يتحوّل من صاحب ملك خاص الى ناهب ملك عام! يفعل ذلك بأقصى سرعة.. لم يسمح الوقت لبورقيبة الذي انقض عليه بن علي بشكل سريع ومباغت، ورغم أنّ الوقت سمح فقط بسويعات زمن فقد نهب بن علي في ساعة ما نهبه البقية في سنوات او عقود.
نأتي الآن الى "الوضوح" تلك رسالة واضحة من شخص يعتقد أنّه غير واضح في خداعه لكن فخاخه أوضح من الوضوح! نعم أيّها الرئيس القيس، تلك مرحلة كانت أوضح بكثير من هذه، مرحلة السيسي أيضا أوضح بكثير من مرحلة مرسي كذا عقود بشّار وأبو بشّار، ليس أوضح منها، الأمر نفسه عند كلّ الشموليات المرعبة التى أغلقت باب السجال والتجاذبات والتعددية وصراع الأفكار والأحزاب، وقنّنت القتل في مصر فجعلته حكرا على السيسي، وقنّنت مصادرة المليارات في السعودية فجعلت ذلك حكرا على محمّد بن سلمان، وقنّنت احتكار السلطة فعصرتها في يد محمّد بن زايد، وقنّنت الابادة الجماعية فجعلتها حكرا على بشّار..
كل شيء واضح في دولة الأنفاس المعدودة، وأنت يا سيادة الرئيس تدرك جيدا ما معنى الوضوح في عهد بن علي وبورقيبة! معناها يا سيادة الرئيس سكّر فمك ونفّذ الأوامر، معناها المواطن المستقر، معناها كول القوت وترقب الموت، معناها أعلف السجائر وتجرّع القهوى اطفحها طفحا وبلعْعْعْعْ.. أمّا عدم الوضوح فمعناها ان تأتي بك الثورة من معمل النيكوتين ، تبزع عليك زير ماء لتتطهّر ثمّ تحملك الى قرطاج، وعوض ان تكثر من الحمد والثناء والشكر لله ثم للثورة التي أخرجتك من صفر سياسة الى كبير الساسة الرسميين، عوض ذلك عدت تمدح العصر الذي صمت فيه عن الكلام ولنت فيه بين يدي وسيلة ومفيدة وليلى، حتى إذا أعطيت للذل كاره جئت الى مؤسّسات الثورة ومرحلة الانتقال وما يعنيه من مصاعب ودربة ولغو ولغط وغلو.. كدحا نحو التأسيس، فطعنت فيه وقطعت عنه الطريق وتآمرت ضده مع "الحماية" وكذا مع سفاح الميادين!!!
ثم يا سيادة الرئيس يا من غصصت بالكلام أمام مباركة فلا تكاد تبين، كيف تصف خصومك أو من اخترتهم خصوما لك بالكورونا وبالسلالة الخطيرة منها، ثمّ مباشرة بعد النيل منهم تشتكي من السبّ والشتم في وسائل التواصل الاجتماعي وتتساءل إن كانت تلك حرية تعبير"هوما فاقدين لحرية التفكير ويتبجّحون بحرية التعبير ثم نواب عندهم قضايا اخلاقية وجرائم وأحكام.. يتحدّثون عن حرية التعبير! التعبير يجي يسبّ؟ التعبير فيه ثلب؟"،
أنت يا قيس من تسبّ وتثلب أمام كلّ ضيوفك، في المؤسّسات المدنية والعسكرية وحتى تحت سفوح جبل الشعانبي، في المسجد في المطار وفي قصر السيسي وفي خان الخليل، وصفت خصومك بالنتونة وبابن سلول وبالنفاق والكذب.. بل اتهمتهم زورا بالسعي الى قتلك.. تفلي الفيسبوك فليا، ثم تقول "الفيسبوك ما نعترفش بيه أصلا"..
إنك يا سيادة قيس سعيد لست غير كيم جونغ صغير، قزم، لهفة البطش لديك مثل الجبل لكن الجبن أعياك، وأعياك أكثر إنك على يقين أنّ أي حركة انقلابية حمقاء سيأكلك الشعب بأسنانه.. ينتشك.. ينتفك كفرّوج يا سيادة الرئيس.