تنظيم يعلن عن اعتزامه اعتقال كل ما شارك في مسار تأسيس ديمقراطي امتد عشر سنوات كاملة.. ويعلن نفسه سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية بالاشتراك مع الرئيس الحالي.. هذا التنظيم الذي يصدر بيانا فيه دعوة علنية وصريحة للتقاتل يُفترض أن يتم إحالة عناصره على القضاء..
وإن كان تنظيما ثوريا سريا عليه أن يتحمل تبعات ثوريته العنيفة الدموية… لم نسمع عبر التاريخ عن دولة توفر لمن يعمل على إسقاطها أدوات خطته وتفتح له أبواب الإعلام والدعاية والتحشيد بعلم أجهزتها..
يكفي أن رئيس الدولة نفسه الذي أعلن الانقلابيون تعيينه شريكا في إدارة مرحلة انتقالية يعلّقون خلالها العمل بالدستور.. هذا الرئيس يشجعهم بصمته المتواطئ. لو كان رافضا لخطوتهم الانتحارية الدموية لما تردد في إعلان ذلك منذ اللحظة الأولى لصدور البيان.. وهو الذي يتفاعل لحظة بلحظة مع كل ما يقال في شأنه في شبكات التواصل.
صحيح أن الذين كتبوا البيان الشهير شبه أميين.. ولكنني لا أرى ذلك سببا للاستهانة بهم.. فليس أدل على خطورة الأميين من وجود الرئيس نفسه على رأس الدولة. أعلنوا عن هوياتكم يا جبناء. ما دام الرئيس يسبل عليكم أستاره ويحميكم… ممّ تخافون ؟
هذه مقتطفات من تدوينة لعدنان منصر حول مظاهرات غد المنتظرة.. أسوقها نموذجا للتشوّه البنيوي لعقل نخبوي فصامي ممزق بين ماض ثوري خائب وحاضر فاقد لشروط الأكاديمية المحايدة…
يقول مستشار رئيس دولة الثورة السابق :
" - هل هناك أمل في أن تنجح مظاهرة الغد في تحقيق أهدافها؟ لا. لأنها اولا لم توضح أهدافها، ولأنه لا أحد يعرف من ينظمها وماذا يريد، وهذان شرطان أساسيان للتعبئة. لا تعبئة دون وضوح، ودون ثقة."
ورغم أن المظاهرة مجهولة الهوية عند سي عدنان.. يعني يمكن أن تكون من تنظيم مخابرات أجنبية تتعمد صناعة الفوضى وإدامة حالة اللادولة في تونس.. فالثوري السابق لا يتردد في القول ".. هل يجب مهاجمة مظاهرة الغد؟
لا. لأنها خطوة تراكمية أخرى في طريق قد يكون طويلا".
المهم عنده أنه "يجب الإستمرار في تهرئة الحكومة والتحالف الإجراميان.. بكل الطرق.. (لأن) حرب الإبادة التي يشنانها على التونسيين لا تترك لأحد خيارا غير ذلك".
يعني كل من يساعد على إسقاط هذه الحكومة.. أيا تكن هويته.. وبكل الطرق.. هو وطني ويحظى بمساندة هذا المنظّر السياسي الفذّ… منصر يعلم جيدا أن الحكومة الحالية ثمرة مسار من العبث.. كان هو إحدى حلقاته. ويعلم أن هذه الحكومة أردأ من أن يتمّ بذل أي جهد لإقناع الناس بضرورة رحيلها بأسرع ما يمكن.. ولكنه لا عذر له ليجهل أنها حكومة البديل الرديء عن الفراغ الكلي.. القاتل.
يتعمّد مبالغات كوميدية ليصوّر الحكومة على أنها ".. حكومة الإجرام القمعية الإستباقية".. وكأنه يتحدث عن حكومة بن علي أيام الحوض المنجمي مثلا.. وهو يعلم أنه يكذب ببساطة.. لأن الحكومة الحالية أضعف كثيرا مما يقول وأنها قد تذهب.. وستذهب دون الحاجة إلى أن يستنزف ثوري مثله طاقته النضالية الفذة.
الحكومة الحالية إهانة لكل من اشتغل يوما بالسياسة أو اهتم بها.. هي عنوان فضيحتنا الجماعية.. ولكن ذهابها لا يحتاج من يزايد عليها في الوضاعة.