ديباجة : "من حقّ الخطيب استرجاع هداياه في صورة النّكول" ( قرار تعقيبي مدني عدد 318 مؤرخ في 27 أكتوبر 1977).
لم أذكر أنّي كتبت عن النائب عبد اللطيف علوي إلاّ مرّة واحدة حين استظرفت قوله موجها كلامه إلى بُعران الخليج أنّنا لم نتدخّل في انتخابات أحسن ناقة وأحسن معزة، فلِمَ يتدخّلون في انتخاباتنا! ولكن لا أنكر أنه بيننا ودّ واحترام.. وكانت مؤاخذتي عليه دائما أنّه حادّ الطبع متوتّر متأهّب دائما لمعركة ما...!
هذا على الصعيد الشخصي. أمّا على صعيد الموقف السياسي أو الرؤية فذاك شأن آخر ليس هذا مجال المزايدة فيه الآن وهنا.
قرأت اليوم رسالته إلى الرّئيس قيس سعيّد يطلب فيها منه "استرجاع كتبه ودواوينه".. وقرأت ردّات الفعل هنا وهناك وقلّة هم من فهموا "ما وراء القصد". والأمر مفهوم عندما تغطّي "الصفة السياسية" للكاتب على مضمون ما كتب.
في الحقيقة الرسالة بليغة من جهة بيانها ومتحامل أو حاسد من ينكر على قلمه هذه الصفة، وفضلا على بلاغتها وصفوية لغتها فإنّها من جهة "الموقف" مؤلمة لأنها تمثّل لحظة دراماتيكية لها شبيهاتها في التاريخ كإحراق بعض الكتّاب لكتبهم كالتوحيدي أو انتحارهم كخليل حاوي أو حتى تركهم للكتابة كالشاعر "رامبو" او تدخين العظيم ميخائيل باختين لخاتمة كتابه النقدي عندما لم يجدّ ورقا للفّ تبغه في منعزله السيبيري!!
كلّ هؤلاء فعلوا "فعلا مشينا" ليحتجّوا من أجل قضية كبرى. وكذا - بربي خلونا من هاك المقارنات السفيهة! - فعل "العلوي" عندما طلب أن يستعيد "هديّته"! طبعا باب السخرية والتنبير مفتوح كما هو باب التمجيد والتفخيم، مثله مثلما كان الموقف من الشاعر العظيم "أولاد أحمد".. أعتقد أنّ هذا لا يعنيني في شيء. يعنيني أنّنا أمام مأزق أخلاقي يعترف فيه كاتبٌ وشاعرٌ ( تعترف بيه ما تعترفش ذاك شغلك) بخيبته الكبرى في" المثال"! (خيبات طفل عظيم هو عنوان ديوانه).
ما معنى هذا؟ معنى هذا أن تكتشف أنّك كنت مخدوعًا إن لم أقل غبيّا غُفلاً وأنت ترى بعينك - وما حدّثك أحد! - من استأمنته علي نفسك و أهلك وقططتك "يزورك بعد منتصف الليل"...! هذا الأمر لو جرّبتموه - صرفه الله عليكم - ستشعرون أنّكم سوف تنتهون إلي "الثقب الأسود" (عنوان إحدى ثلاثيته) فليس أقلّ من أن تسترجع هديتك ممن لا يستحقّها!
طبعا القراءة السطحية للموقف قابلة للهزء أو للتعظيم.. وكلاهما نفخ في قِربة مقطّعة وتدخل في باب" إيش تيفهّم عيشة؟!"