الرئيس وفولكلور السيطرة

عمليات "اقتحام أوكار المحتكرين" و"الضرب على أيدي المهربين"، مع كل الإخراج المصاحب لها، يتخذ يوما بعد يوم طابع البروبغندا. هكذا أرى الأمر وليس في ذلك مطلقا غمز من قناة الرئيس. هذه أشياء تعودنا عليها ولا تحمل أي جديد.

متى يمكن إنتظار ان تحمل هذه الحركات جديدا؟ عندما تكون جزءا من رؤية إقتصادية واجتماعية. مثال: عندما تكون الحكومة ليبرالية، فإن مثل هذه العمليات تهدف للقول بأنها ليست ليبرالية جدا، وأنها تراعي المصلحة العامة وتقاوم الفساد الذي يفترض أن حكمها قائم على التحالف معه.

عندما يكون الرئيس محافظا، بلا رؤية، مهتما فقط بترسيخ سطوته والإبقاء على علاقة مباشرة "بالشعب"، يفعل الأمر ذاته أيضا: الأمر يتعلق بالإيحاء بوجود رؤية قد تنعكس سياسة ذات توجه إجتماعي. لن يحصل ذلك طبعا، لأنه لا يمكن بناء سياسة من هذا النوع من دون الرؤية المنتجة لها.

كل مايقوم به الرئيس اليوم لا هدف له سوى ترسيخ سطوته. كل ما يفعله هو الحفاظ على درجة عالية من التحفز لدى الناس. كل مايفعله هو تأليب الناس على النخب بأنواعها وأصنافها. هو يحتاج ذلك، والأمر يتعلق بمجرد وقود في معركة ترسيخ السلطة الفردية. عندما ترى أن الناس يتصرفون بشماتة تجاه الممنوعين إعتباطيا من السفر، وهم بالآلاف، واعتبارهم القضاء والقوانين والحريات شكليات لا قيمة لها أمام الهدف الأسمى، تفهم أن قيس سعيد نجح بعض الشيء. نجح في ماذا؟ نجح في قطع مرحلة من الطريق نحو الحكم الفردي ماكان له أن يحققه دون عاملين: التعفن الذي كان سائدا قبل ٢٥ جويلية، والإستفادة من حالة هيجان الشارع التي يسعى للمحافظة عليها بكثير من الحركات الإستعراضية.

مر اليوم شهر منذ حركة ٢٥ جويلية. ليتساءل الناس سؤالا واحدا: هل أن الإستمرار في الفولكلور المطبق منذ ٢٥ يمكن أن يحقق، حتى على المدى المتوسط، شيئا مما تمردو من أجله في ذلك اليوم؟ أستسمحهم في سؤال آخر: هل أن ما يرونه منذ شهر يهدف إلى تحسين الأوضاع أم لترسيخ سيطرة الرئيس على الدولة؟ سؤال ثالث، مع الإعتذار: لو وضع الرئيس كل المحتكرين في السجون، وصادر كل العملة المهربة، وقبض على كل خصومه، هل هناك قناعة بأنه سيتوجه بعد ذلك لتوضيح رؤيته الإقتصادية وسياسته الإجتماعية ونظرته في المسائل الكبرى الأخرى؟ أنا مقتنع بفكرة: لو كان للرئيس كل ذلك، لما تأخر في إعلانه، ولحشد الناس على أساسه عوضا عن حشدهم حول كل الفولكلور الآخر. الرئيس مهتم فقط فيما يبدو بترسيخ حكمه، وهو يعتمد في ذلك الطريق الأسهل: تهييج مشاعر الناس وإذكاء موجة الكره للنخب بانواعها.

لا أريد أن اقول أنها الشعبوية، ولكنها الشعبوية، حتى إشعار آخر

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات