أنا مواطن من مواطني الجمهورية التونسية التي أنت رئيسُها.. لم أنتخبك في دور الانتخابات الأوّل وانتخبتك في دورها الثاني انتخابا نفعيًّا اضطراريًّا مخافة أن تقع البلاد تحت حكم شخص رفضتُه استنادا إلى خطابه المنفّر وأمواله التي ابتزّ بها الفقراء ليكون عليهم رئيسا.. لم يكن انتخابي إيّاك اختيارا، بل كان انتخاب اضطرارا.. وحين فزتَ بالانتخابات شاركتُ جموع الشعب أفراحه لا بفوزك بالرئاسة، بل بسقوط خصمك.
انتخبتك على قاعدة دستور الجمهورية التونسية الذي كنتُ شاهدا على ليلة ميلاده بعد عناء حمل البلاد الطويل به.. كان الدستور شريعة دولتنا وقد كنت أنت من منتَجاته ولولاه لما عرفك من التونسيين أحد…
وكان الدستور عقدنا الأوّل المكتوب.
ثم أديّت اليمين بين يدي مجلس نواب الشعب.. فقلت أمام الجميع ((أقسم بالله العظيم ان أحافظ على استقلال تونس وسلامة ترابها، وأن أحترم دستورها وتشريعها، وأن أرعى مصالحها وأن ألتزم بالولاء لها))…
وكان هذا اليمين عقدنا الثاني المكتوب المنطوق.
أنت رئيس الدولة ورئيس الشعب بمقتضى هذين العقدين.. وستبقى رئيسا ما حافظت عليهما يحترمك الجميع ويقدّرون مقامك ولا يجوز لهم أن ينتهكوا مقاما رفيعا مثل الذي صار لك بمقضى الانتخاب وبمقتضى الدستور وبمقتضى اليمين… فهل حافظتَ على التعاقد الذي بيننا؟
بدأت بالشعب فقسّمته ومزّقت أوصاله وقطعت أرحامه وصار لك أنصار وطنيون أطهار أنقياء يستحقون الحياة، وأعداء خونة عملاء وفاسدون مارقون.. وفيروسات وجوائح تهدّد حياتك وحياة أنصارك الذين اختزلت الشعب فيهم دون سواهم… يستحقّون الاجتثاث ليستقيم لك الحكم وتستويَ لأنصارك الحياة.. والتصفيق لك.
ثمّ خرقت الدستور وعبثت به وسخرت منه ولم تر منه غير خرقة نُسجت على مقاس ليس مقاسك ونسيت أنّه كان على مقاسك وحدك لمّا انتهى بك رئيسا للجمهورية وأنت القادم من اللاشيء.. وبلغت من الإسفاف قدرا كبيرا لمّا شبّهت دستور وطنك بحذاء واستبدلت به أمرك الرئاسيّ عدد 117 الذي لا أحد يعلم من وضعه ولا في أيّ غرفة مغلقة وفي أيّ ليل دُبّر.
وقبل ذلك أغلقت البرلمان الذي خرجت منه رئيسا للجمهورية بمدرّعة عسكريّة كما لم يفعل أيُّ طاغية في التاريخ
ثمّ خرج أنصارك يوم السبت 25 سبتمبر بعد شهرين من إعلانك عن إجراءاتك الاستثنائيّة في وقفة رمزيّةٍ الغرضُ منها واحد هو حرق الدستور وعلى غلافه خريطة تونس وعَلَمُها.
السيّد قيس سعيّد.. ما الذي بقي من التعاقد الذي كان بيننا؟
لقد بدأت بفسخ التعاقد بيني وبينك.. ولمّا لم تعد من جهتك ملزَما بما أقسمت الأيمان عليه لم أعد من جهتي ملزَما بعدِّك رئيسا لدولتنا.. لقد كنت أحترم مقامك.. ولقد اخترت بإرادتك ترك المقام…
وفسد ما كان بيننا من تعاقد.